الإجازة؟ جوز ذلك العلامة الجعبري مطلقا، ومنعه الحافظ الحجة أبو العلاء الهمداني، وجعله من أكبر الكبائر. وعندي أنه لا يخلو إما أن يكون تلا بذلك أو سمعه فأراد أن يعلي السند أو يكثر الطرق فجعلها متابعة أولا، فإن كان فجائز حسن فعل ذلك العلامة أبو حيان في كتاب "التجريد" وغيره عن أبي الحسن بن البخاري وغيره متابعة، وكذا فعل الشيخ الإمام تقي الدين محمد بن أحمد الصائغ بالمستنير عن الشيخ كمال الدين الضرير عن السلفي. وممن أقرأ بالإجازة من غير متابعة الإمام أبو معشر الطبري، وتبعه الجعبري وغيره، وعندي في ذلك نظر لكن لا بد من اشتراط الأهلية. ولا بد للمقرئ من التنبيه بحال الرجال والأسانيد مؤتلفها ومختلفها، وجرحها وتعديلها، ومتقنها ومغفلها، وهذا من أهم ما يحتاج إليه. وقد وقع لكثير من المتقدمين في أسانيد كتبهم أوهام كثيرة وغلطات عديدة من إسقاط رجال، وتسمية آخرين بغير أسمائهم وتصاحيف وغير ذلك، وقد نبهت على ذلك في كتاب طبقات القراء، وعقدت في أوله فصلا مشتملا على ما اشتبه في الاسم والنسبة.
وشرط المقرئ وصفته أن يكون مع ما ذكرناه حرا عاقلا مسلما مكلفا ثقة مأمونا ضابطا متنزها عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، أما إذا كان مستورا وهو أن يكون ظاهر العدالة، ولم تعرف عدالته الباطنة فيحتمل أنه يضره كالشهادة، والظاهر أنه لا يضره لأن العدالة الباطنة تعسر معرفتها على غير الحكام ففي اشتراطها حرج على الطلبة والعوام. وينبغي للمقرئ أن لا يحرم نفسه من الخلال الحميدة المرضية من الزهد في الدنيا، والتقلل منها وعدم المبالاة بها وبأهلها والسخاء والحلم والصبر ومكارم الأخلاق وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع، وليجتنب الملابس المكروهة وغير ذلك مما لا يليق به، وليحذر كل الحذر من الرياء والحسد الحقد والغيبة واحتقار غيره، وإن كان دونه والعجب وقل من يسلم منه. روينا عن الإمام أبي الحسن الكسائي أنه قال: صليت بالرشيد فأعجبتني قراءتي فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط أردت أن أقول: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢، الأعراف: ١٦٨، يوسف: ٦٢] فقلت: لعلهم يرجعين. قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي أخطأت، ولكنه لما سلمت قال لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد! قال: أما فنعم. وينبغي له أيضا أن لا يقصد بذلك توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال أو رياسة أو وجاهة أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك.
1 / 11