Sarakunan Tawaif
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Nau'ikan
ولم تطل مدة المعتمد بعده، فإن الحوادث الخطيرة التي وقعت في طليطلة والانتصارات المتوالية التي أحرزتها جيوش القشتاليين حولت دفة السياسة إلى مجرى آخر.
2
الفصل الثاني عشر
اعتزم الأذفونش السادس ملك ليون وقشتالة و«غاليسيا» و«ناڤار» عزما قاطعا لا تردد فيه أن يفتح شبه الجزيرة، وقد كان من القوة وخصومه من الضعف بحيث يستطيع إتمام ما اعتزمه من ذلك، ولم يتعجل الفتح بل آثر الانتظار، ريثما يجمع من الإتاوات والجزى التي كان يفرضها على ملوك الأندلس أموالا كثيرة يدخرها عنده لتكون عدة للحرب، ووسيلة لإدراك أطماعه الكثيرة التي توجهت إليها أنظاره.
وعلى هذا أراد أولا أن يضع الملوك المسلمين تحت الآلة العاصرة، ولم يكن همه أن يعتصر بهذه الآلة شراب التفاح والنبيذ، بل أراد أن يأخذ من عصارة أولئك الملوك بعد سحقهم سائل الفضة والذهب.
وربما كان أضعف الملوك الذين كانوا يؤدون له الجزية «القادر» ملك طليطلة فقد أضر بهذا الملك ترف الحياة، ونعيم القصر حتى أصبح ألعوبة الخصيان، وأضحوكة الجيران الذين كان ينافس الواحد منهم الآخر في سلبه وتجريده، والأذفونش وحده هو الذي كان يظهر بمظهر من يحميه ويدافع عنه.
ولفداحة ما كان يرهق به رعيته من الظلم والمغارم لم يسلس له قيادهم، فلجأ إلى الأذفونش يشكو إليه أنه لا يستطيع أن يملك زمامهم، فوعده أن يبعث إليه بجنود لتأييده وحمايته مقابل مبلغ طائل من المال، وأراد القادر أن يجمع هذا المال من كبار رجال المملكة فدعاهم لهذا الغرض وكاشفهم بالأمر، فأبوا أن يعطوه شيئا، فأقسم لتدفعن المال، أو لتكرهن غدا على دفع أبنائكم رهائن عند الأذفونش فأجابوه: «إننا حينئذ نخلعك قبل أن تتمكن من ذلك.»
وسلم الطليطليون من ذلك الحين قيادهم للمتوكل ملك بطليوس واضطر القادر للهرب ليلا، والتجأ من جديد إلى الأذفونش يخطب وده، ويطلب مساعدته، فاتفق معه على أن يذهب لحصار طليطلة ويعيد إليه ملكه، ووجد أن ما حمله إليه من المال قليل، فلم يقبله، واشترط أن يعطيه بعض الحصون، ثم يطالبه فيما بعد بأزيد من هذا القدر الذي معه، فالتزم القادر بكل هذه الأشياء، وبدأت الحرب سنة (1080) ودامت سنتين، وبعث الإمبراطور كعادته رسله إلى المعتمد يطالبه بدفع الجزية السنوية، وكانت البعثة مؤلفة من جماعة من الفرسان عهد إلى يهودي من بين الجماعة اسمه ابن شبيب بالسفارة بينه وبين المعتمد؛ وذلك لأن اليهود لذلك العهد كانوا وسطاء بين المسلمين والنصارى، وضربت البعثة خيامها بظاهر المدينة، وأرسل المعتمد رسله إليهم وعلى رأسهم ذو الوزارتين أبو بكر بن زيدون يحمل الإتاوة المطلوبة، وكانت أقل مما يجب دفعه، لسوء الحالة في ذلك الوقت على الرغم من أن المعتمد قد فرض على رعيته لسداد المبلغ ضرائب فوق العادة، فلم يقبل اليهودي ما دفعه إليه الوزير، وقال له: «أتراني من البلاهة والغباء بحيث أقبل هذه النقود الزائفة؟ إني لا أتسلم دون المبلغ المطلوب، ولا أتسلمه إلا ذهبا عينا، وسيكون المدفوع في العام المقبل حصونا ومدنا لا مالا زائفا.» •••
واتصل بالمعتمد ما فاه به اليهودي أمام سفرائه، وكبار رجاله، فاستشاط غضبا وأمر أن يحمل وصحبه إلى القصر، وما حصلوا عنده حتى أمر بالرسل من النصارى فأودعهم السجن، وباليهودي أن يصلب، فارتعدت فرائص اليهودي الذي كان قبل برهة يتيه على المعتمد ورجاله صلفا وكبرا، وقال: «عفوا يا مولاي! إني أفتدي حياتي منك بوزن جسمي ذهبا.»
فقال المعتمد: «والله لو جئتني بإسبانيا كلها على أن تفتدي نفسك ما قبلت منك فداء.»
Shafi da ba'a sani ba