Sarakunan Tawaif
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Nau'ikan
فأنت رهين بما يفعلون
وراقب إلهك في حزبه
فحزب الإله هم المفلحون
وكان أثر هذه القصيدة في نفس باديس الذي أولاه ثقة لا حد لها بالغا الغاية، كما أنها أثرت تأثيرا عميقا في نفوس البربر، فثاروا للانتقام، وحلفوا ليقتلنه، وأذاع زعماء المؤامرة أن اليهودي انضوى تحت لواء المعتصم أمير المرية وكانت العلاقة بين الغرناطيين وبينه علاقة حرب لا سلم. وقد يتساءل بعض الناس ممن كانوا أقل تصديقا: ما الفائدة التي يجنيها يوسف من خيانته ملكا وثق به، وسلم إليه قياده، وجعله صاحب السلطان التام دونه في المملكة؟ لقد أشاعوا حينئذ أن اليهودي يريد أن يمكن المعتصم من الاستيلاء على المملكة، ثم يعود هو فيقتل باديس ويتبوأ العرش مكانه، ولسنا في حاجة لأن نبين أن كل هذه الإشاعات من قبيل الأراجيف والوشايات المحضة، وإذا نظرنا إلى الواقع رأينا أن البربر كانوا يودون خلق الأسباب التي تدعو إلى إبعاد اليهودي عن الحكم، والاستيلاء على ما يملكه اليهود من أموال وثروات يحسدونهم عليها، ويتمنون أن لو كانت في حوزتهم، ولما وجدوا أنهم قد ظفروا بالأسباب التي تبرر الفتك باليهود ثاروا جميعا، وهاجموا قصر الإمارة مع العامة، ودخلوا في طلب اليهودي، فزعموا أنه اختفى في بيت فحم وسود وجهه، يريد أن يتنكر ويلبس عليهم صورته، فعرفوه وقتلوه وصلبوه على باب المدينة.
5
ثم عمدت صنهاجة بعد ذلك إلى قتل سائر اليهود، فقتل في يوم منهم مقتلة عظيمة، ونهبت دورهم، وقد بلغ عدد من قتل منهم أربعة آلاف يهودي ذهبوا ضحية العداوة الدينية (30 ديسمبر سنة 1066).
الفصل الثامن
لم تكن الحال في بقية أنحاء إسبانيا الإسلامية خيرا منها في البلاد الجنوبية، فقد حمي وطيس النزاع من جراء بقايا الشئون الخلافية، وأخذ سيل الفتن يطغى على وسط الجزيرة وشرقيها وغربيها حتى كاد يجرف أمامه جميع الممالك الإسلامية المنبثة في شبه الجزيرة.
وكان قد مضى على الممالك المسيحية نصف قرن وهم بشئون بلادهم مشغولون عن غزو الممالك الإسلامية، وبدأت الحال في سنة 1055م تتحول، فاستطاع «فردينند» ملك قشتالة وليون أن يوجه جميع جيوشه لقتال المسلمين، الذين كانوا - على ما يظهر - لا يستطيعون أن يقاوموا خصومهم مقاومة جدية، وهكذا أصبح الفوز حليف المسيحيين، فقد كان لهم من الروح الحربي، والحمية القومية، والغيرة الدينية ما لم يكن عند المسلمين، فكانت حروب «فردينند» سريعة، وانتصاراته متلاحقة، فانتزع من المظفر ملك بطليوس سنة 1057م مدينتين وأخذ من ملك «سرقسطة» جميع الحصون والمعاقل التي تقع في الجنوب، وشن الغارة على المأمون صاحب طليطلة وزحف بجيوشه، ولما كان المأمون أضعف من أن يثبت للعدو، فقد رأى من الحكمة أن يتقدم إلى «فردينند» عند قدومه بالهدايا الثمينة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، ويعرض عليه ولاءه، ويؤدي له الجزية كما فعل ذلك من قبل ملكا بطليوس وسرقسطة. •••
وجاء - بعد هؤلاء - دور المعتضد، ففي سنة (1065) أحرق «فردينند» قرى إشبيلية، وباتت الممالك الإسلامية جميعها في أشد حالات السوء والضعف مما جعل المعتضد - وهو أقوى ملوك الأندلس - يرى من الحكمة أن يحذو حذو المأمون في إعطاء الإتاوة لفردينند، فمضى إلى معسكره وقدم إليه هدايا ثمينة وتوسل إليه أن يبقيه على ملكه، ولما رأى من المعتضد جلال الشيخوخة، وتغضن الجبين ، واشتعال رأسه شيبا وأنه متهدم القوى، لاح له أنه بمنجاة عن المكر والخبث، وكان المعتضد لما يعد السابعة والأربعين من عمره، ولكن الهموم وشدة الطمع والجشع، وكثرة العمل، وفرط الظلم، وتأنيب الضمير - على ما يظن - كل أولئك، قد أحال لونه، وأبدى على معارف وجهه مظاهر الشيخوخة في إبان الكهولة، فلا غرابة إذا رحمه ملك قشتالة وأثرت شيخوخته في نفسه، ولكن هذا لم يرتح إلى دفع الإتاوة، ورأى أن يستشير أهل مملكته ويستفتي فيها الفقهاء، فجمعهم ليرى رأيهم فيما يكون من الشروط، وأن يقرروا من الرأي ما يعرضونه عليه، فاجتمعت كلمتهم على أن يدفع ملك إشبيلية جزية سنوية، وأن يسلم إلى رسل يرسلهم إليه «فردينند» جثمان القديسة «جوست» العذراء التي استشهدت في عصر الاضطهاد الروماني.
Shafi da ba'a sani ba