كربلاء إلى ابن زياد، ورأيت نساء الكوفة يومئذٍ قياما يندبن متهتكات الجيوب، وسمعت علي بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل - وقد نحل من شدة المرض -:
«يا أهل الكوفة، إنكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟»
ورأيت زينب بنت علي ﵇، فلم أرَ والله خفرة أنطق منها بيانا، قالت: «يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والخذل! فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنة. إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم. ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء؟ وهل أنتم إلا كمرعي على دمنة، أو كغضة على ملحودة؟ ألا ساء ما قدمت أنفسكم. أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون؟ أي والله فابكوا، وإنكم والله أحرياء بالبكاء. فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا».
ونقل عالمهم المامقاني في تنقيح المقال (١: ٣٨) عن إمامهم الكشي بسندٍ رجاله كلهم من الشيعة أن بريدا العجلي قال: كنت أنا وأبو الصباح الكناني عند أبي عبد الله (أي جعفر الصادق) فقال: «كان أصحاب أبي خيرا منكم، كان أصحاب أبي ورقا لا شوك فيه، وأنتم شوك لا ورق فيه». فقال أبو الصباح: جعلت فداك، فنحن أصحاب أبيك! قال: «كنتم يومئذ خيرا منكم اليوم».
وبعده في الكتاب نفسه خبر آخر بأن أبا الصباح هذا الذي كان من كبار شيعة الصادق وأبيه الباقر قد عبث بثدي جارية ناهد خرجت له من منزل إمامه الباقر، فأنبّه على ذلك
ونقل المامقاني (٢: ٨) في ترجمة سدير بن حكيم الصيرفي عن آخر كتاب الروضة من (الكافي) عن المعلى قال: ذهبت بكتاب عبد السليم بن نعيم وسدير وغير واحد (أي وغير واحد من شيعة جعفر الصادق) إلى أبي عبد الله (وهو جعفر الصادق) ... فضرب بالكتاب الأرض ثم قال: «أف، أف، ما أنا لهؤلاء بإمام».
مقدمة / 8