( 8) : هذه العبارة هي عين ما عبر به الكاتبون في الموضوع النائب والشماخي والباروني وغيرهم . وهي تدل على أن المعز الفاطمي حارب نفوسه لأجل استرجاع عساكره فلم يقدر على استرجاعهم بالقوة ولو لم يكن هناك حرب لما عبروا بقولهم ( فلم يقدر عليهم ) ولكان جواب الطلب المجرد عن استعمال القوة - أبوا وامتنعوا من تسليم الجنود الفارين - ومن هذا نعلم أن نفوسه يومئذ لم تزل قوية منيعة مستقلة استقلالا تاما . ولم يؤثر في قوتها أقل تأثير انقراض الدولة الرستمية . بل ثبت أنها حافظت على استقلالها هذا أكثر من أربعة قرون كما سيأتي الكلام على امرائها الذين حكموها بعد انفصالها عن دولة تيهرت الرستمية . وهذه القوة هي التي حمت أبا خزر الحامي اللاجىء إليها عند عجزه عن قتال الفاطميين الذين حاربهم وانتصر عليهم مرارا إلى أن هموا بالإعتراف له بالإستقلال لولا تعنته ، وطموحه الواسع الذي جر له الهزيمة والإلتجاء إلى جبل نفوسة ولسان حاله يقول: خذ الكل ، أو اترك الكل .
(9) : أما نفوسة الجبل في هذا الزمان فقد فشا فيهم الجهل والفساد ، فتفككت وحدتهم وتمكن الحسد فيما بينهم وابتعدوا عما كان عليه أسلافهم من التمسك بالدين والتحلي بالأخلاق الفاضلة كالصدق في القول والجد في الأعمال والوفاء بالوعد والعهود ، تلك الأخلاق التي كانوا يمتازون بها من بين الأقوام الإسلامية والطوائف الدينية ، كانوا مثلا أعلى في الخوف من الله والتورع عن محارم الله ، يمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم .
Shafi 94