ومن حكمة الله وتدبيره أن جعل زيد بن ثابت هو الكاتب في المرات الثلاث، مما يدل على أن الرسم الذي كتب به المصاحف في المرات الثلاث واحد، ولم يعلم في ذلك مخالف، ومضى على ذلك كتاب المصاحف في عهد التابعين وتابعيهم، ولم يفكر أحد أن يستبدل بالرسم العثماني رسما آخر من الرسوم التي حدثت في عهد ازدهار التأليف.
فالرسم قد فاز بإقرار النبي ﷺ، وإجماع الصحابة ﵃، ثم إجماع الأمة عليه بعد ذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين (١).
ومن أشهر القائلين بهذا المذهب والمنتصرين له الشيخ عبد العزيز الدباغ (ت ١١٣٢ هـ)، فقد نقل عنه تلميذه أحمد بن المبارك (ت ١١٥٥ هـ) في كتاب الذهب الإبريز، فقال:
«ما للصحابة، ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو بتوقيف من النبي ﷺ، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها، لأسرار لا تهتدي إليها العقول».
ثم قال: «وهو سرّ من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية». ثم قال: «وكما أن نظم القرآن معجز، فرسمه أيضا معجز» إلى أن قال: «وللقرآن أسرار، لا تستفاد إلا بهذا الرسم، فمن كتب بالرسم التوقيفي، فقد أداه بجميع أسراره، ومن كتبه بغير ذلك فقد أداه ناقصا، ويكون ما كتبه إنما هو من عند نفسه لا من عند الله» (٢).
(١) انظر: مناهل العرفان ١/ ٣٧٧.
(٢) انظر: كتاب الذهب الإبريز لابن المبارك ٥٥.