كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك: أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله عليك فيما اصح من بدنك وأطال من عمرك وعملت حجج الله تعالى مما علمك من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وفهمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك وكل حجة يحتج بها عليك الغرض الأقصى ابتلى في ذلك شكرك وأبدا فيه فضله عليك وقد قال عز وجل: لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد سورة إبراهيم آية7 فانظر أي رجل تكون إذا وقفت بين يدي الله عز وجل فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قضيتها فلا تحسبن الله عز وجل راضيا منك بالتعذير، ولا قابلا منك التقصير هيهات ليس ذاك اخذ على العلماء في كتابه إذ قال: لتبيننه للناس ولا تكتمونه سورة آل عمران آية 187 انك تقول انك جدل ماهر عالم قد جادلت الناس فجدلتهم وخاصمتهم فخصمتهم إدلالا منك بفهمك واقتدارا منك برأيك فأين تذهب عن قول الله عز وجل: ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة سورة النساء آية 109 اعلم أن أدنى ما ارتكبت واعظم ما احتقبت أن آنست الظالم وسهلت له طريق الغي بدنوك حين أدنيت وإجابتك حين دعيت فما أخلقك أن ينوه غدا باسمك مع الجرمة، وان تسأل عما أردت بإغضائك عن ظلم الظلمة، انك أخذت ما ليس لمن أعطاك، جعلوك قطبا تدور عليه رحى باطلهم وجسرا يعبرون بك إلى بلائهم وسلما إلى ضلالتهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم فما ايسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما اقل ما أعطوك في قدر ما اخذوا منك، فانظر لنفسك فانه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حسابا رجل مسؤول وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا وانظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه في الناس مبجلا، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته مستترا، وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا، ما لك لا تتنبه من نعستك. وتستقيل من عثرتك فتقول والله ما قمت لله عز وجل مقاما واحدا أحيي له فيه دينا ولا أميت له فيه باطلا? أين شكرك لمن استحملك كتابه واستودعك علمه? ما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله عز وجل فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى الآية سورة الأعراف آية 169 انك لست في دار مقام قد أوذنت بالرحيل فما بقاء المرء بعد أقرانه? طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ما يؤمن من أن يموت وتبقى ذنوبه من بعده انك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك، ليس أحد أهلا أن ترد له على ظهرك. ذهبت اللذة وبقيت التبعة، ما أشفى من سعد بكسبه غيره. احذر فقد أتيت وتخلص فقد وهلت. انك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل.
تجهز فقد دنا منك سفر بعيد وداو دينك فقد دخله سقم شديد، ولا تحسبن إني أردت توبيخك وتعييرك وتعنيفك، ولكني أردت أن تنعش ما فات من رأيك، وترد عليك ما عزب عنك من حلمك، وذكرت قوله تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين سورة الذاريات آية 55 أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به أو دخلوا في مثل ما دخلت فيه? وهل تراه دخر لك خيرا منعوه أو علمك شيئا جهلوه? فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك فمن يلوم الحدث قي سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله? ونحمد الذي عافانا مما ابتلاك به. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال أبو حازم: أن بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها فانه لو جاء يوم نفاقها لم تصل منها إلى قليل ولا إلى كثير.
قال أبو حازم ويحك يا أعرج يدعى يوم القيامة بأهل خطيئة كذا وكذا فتقوم معهم، ثم يدعى بأهل خطيئة.
Shafi 46