٢ - الفصل الثاني في العجب:
روى عن أبى هريرة عن النبي ﵌ أنه قال: "بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل (١) فيها إلى يوم القيامة".
وقال ﵌: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
وروى عن ابن مسعود أنه قال: الهلاك في شيئين: العجب والقنوط. وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى.
قال مطرف ﵀: لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا، أحبُ إلى من أن أبيت قائما وأصبح معجبًا.
واعلم: أن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة، وهذا مع الخلق.
فأما مع الخالق، فإن العجب بالطاعات نتيجة استعظامها، فكأنه يمن على الله تعالى بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها، ويعمى عن آفاتها المفسدة لها.
وإنما يتفقد آفات الأعمال من خاف ردها دون من رضيها وأعجب بها.
والعجب إنما يكون بوصف كمال من علم أو عمل، فإن انضاف إلى ذلك أن يرى حقًا له عند الله إدلالًا، فالعجب، يحصل باستعظام ما عجب به، والإدلال يوجب توقع الجزاء، مثل أن يتوقع إجابة دعائه وينكر رده.
١ - فصل في علاج العجب
اعلم أن الله سبحانه هو المنعم عليك بإيجادك وإيجاد أعمالك، فلا معنى لعجب عامل بعمله، ولا عالم بعلمه، ولا جميل بجماله، ولا غنى بغناه، إذ كل ذلك من فضل الله تعالى، وإنما الآدمي محل لفيض النعم عليه، وكونه محلًا له نعمة أخرى.
(١) أي: يغوص في الأرض حين يخسف به، والجلجلة: الحركة مع الصوت.