وهو ضم كلمة أو ما يجرى مجراها إلى اخرى بحيث يفيد الحكم بان مفهوم احديهما ثابت لمفهوم الاخرى أو منفى عنه وانما قدم بحث الخبر لعظم شأنه وكثرة مباحثه. ثم قدم احوال الاسناد على احوال المسند إليه والمسند مع تأخر النسبة عن الطرفين لان البحث في علم المعاني انما هو عن احوال اللفظ الموصوف بكونه مسند إليه أو مسندا وهذا الوصف انما يتحقق بعد تحقق الاسناد والمتقدم على النسبة انما هو ذات الطرفين ولا بحث لنا عنها. (لا شك ان قصد المخبر) أي من يكون بصدد الاخبار والاعلام والا فالجملة الخبرية كثيرا ما تورد لاغراض آخر غير افادة الحكم أو لازمه مثل التحسر والتحزن وفى قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران [رب اني وضعتها انثى] وما اشبه ذلك (بخبره) متعلق بقصر (افادة المخاطب) خبران. (اما الحكم) مفعول الافادة (أو كونه) أي كون المخبر (عالما به) أي بالحكم والمراد بالحكم هنا وقوع النسبة اولا وقوعها وكونه مقصودا للمخبر بخبر لا يستلزم تحققه في الواقع. وهذا مراد من قال ان الخبر لا يدل على ثبوت المعنى أو انتفائه على سبيل القطع والا فلا يخفى ان مدلول قولنا زيد قائم ومفهومه ان القيام ثابت لزيد وعدم ثبوته له احتمال عقلي لا مدلول ولا مفهوم للفظ فليفهم. (ويسمى الاول) أي الحكم الذى يقصد بالخبر افادته (فائدة الخبر والثاني) أي كون المخبر عالما به (لازمها) أي لازم فائدة الخبر، لانه كلما افاد الحكم افاد انه عالم به وليس كلما افاد انه عالم بالحكم افاد نفس الحكم، لجواز ان يكون الحكم معلوما قبل الاخبار، كما في قولنا لمن حفظ التورية قد حفظت التورية وتسمية مثل هذا الحكم فائدة الخبر بناء على انه من شانه ان يقصد بالخبر ويستفاد منه والمراد بكونه عالما بالحكم حصول صورة الحكم في ذهنه وههنا ابحاث شريفة سمحنا بها في الشرح. (وقد ينزل) المخاطب (العالم بهما) أي بفائدة الخبر ولازمها (منزلة الجاهل) فيلقى إليه الخبر وان كان عالما بالفائدتين (لعم جريه على موجب العلم) فان من لا يجرى على مقتضى علمه هو والجاهل سواء كما يقال للعالم التارك للصلاة، الصلاة واجبة وتنزيل العالم بالشى منزلة الجاهل به لاعتبارات خطابية كثير في الكلام منه قوله تعالى [ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق ولبئس ما شروابه انفسهم لو كانوا يعلمون] بل تنزيل وجود الشئ منزلة عدمه كثير منه قوله تعالى [وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى]. (فينبغي) أي إذا كان قصد المخبر بخبره افادة المخاطب ينبغى (ان يقتصر من التركيب على قدر الحاجة) حذرا عن اللغو (فان كان) المخاطب (خالي الذهن من الحكم والتردد فيه) أي لا يكون عالما بوقوع النسبة أو لا وقوعها ولا مترددا في ان النسبة هل هي واقعة ام لا. وبهذا تبين فساد ما قيل ان الخلو عن الحكم يستلزم الخلو عن التردد فيه فلا حاجة إلى ذكره بل التحقيق ان الحكم والتردد فيه متنافيان (استغنى) على لفظ المبنى للمفعول (عن مؤكدات الحكم) لتمكن الحكم في الذهن حيث وجده خاليا (وان كان) المخاطب (مترددا فيه) أي في الحكم (طالبا له) بان حضر في ذهنه طرف الحكم وتحير في ان الحكم بينهما وقوع النسبة اولا وقوعها (حسن تقوية) أي تقويته الحكم (بمؤكد) ليزيل ذلك المؤكد تردده ويمكن فيه الحكم. لكن المذكور في دلائل الاعجاز انه انما يحسن التأكيد إذا كان للمخاطب ظن في خلاف حكمك (وان كان) أي المخاطب (منكرا) للحكم (وجب توكيده) أي توكيد الحكم (بحسب الانكار) أي بقدرة قوة وضعفا يعنى يجب زيادة التأكيد بحسب ازدياد الانكار ازالة له (كما قال الله تعالى حكاية عن رسل عيسى عليه السلام إذ كذبوا في المرة الاولى [انا اليكم مرسلون]) مؤكدا بان واسمية الجملة (وفي) المرة (الثانية) ربنا يعلم ([انا اليكم لمرسولن] مؤكدا بالقسم وان واللام واسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الانكار حيث قالوا ما انتم الا بشر مثلنا وما انزلنا الرحمن من شئ ان انتم الا تكذبون وقوله إذ كذبوا مبنى على أن تكذيب الاثنين تكذيب الثلاثة والا فالمكذب أو لا اثنان. (ويسمى الضرب الاول ابتدائيا والثاني طلبيا والثالث انكاريا و) يسمى (اخراج الكلام عليها) أي على الوجوه المذكورة وهي الخلو عن التأكيد في الاول والتقوية بمؤكد استحسانا في الثاني ووجوب التأكيد بحسب الانكار في الثالث (اخراجا على مقتضى الظاهر) وهو اخص مطلقا من مقتضى الحال لان معناه مقتضى ظاهر الحال فكل مقتضى الظاهر مقتضى الحال من غير عكس كما في صورة اخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر فانه يكون على مقتضى الحال ولا يكون على مقتضى الظاهر. (وكثيرا ما يخرج) الكلام (على خلافه) أي على خلاف مقتضى الظاهر (فيجعل غير السائل كالسائل إذا قدم إليه) أي إلى غير السائل (ما يلوح) أي يشير (له) أي لغير السائل (بالخبر فيستشرف) غير السائل (له) أي للخبر يعنى ينظر إليه يقال استشرف فلان الشئ إذا رفع رأسه لينظر إليه وبسط كفه فوق حاجبيه كالمستظل من الشمس (استشراف الطالب المتردد نحو ولا تخاطبني في الذين ظلموا) أي ولا تدعني يا نوح في شان قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك فهذا كلام يلوح بالخبر تلويحا ما ويشعر بانه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام يتردد المخاطب في انهم هل صاروا محكوما عليهم بالاغراق ام لا فقيل (انهم مغرقون) مؤكدا أي محكم عليهم بالاغراق. (و) يجعل (غير المنكر كالمنكر إذا لاح) أي ظهر (عليه) أي على غير المنكر (شئ من امارات الانكار نحو جاء شقيق) اسم رجل (عارضا رمحه) أي واضعا على العرض فهو لا ينكر ان في بنى عمه رماحا لكن مجيئه واضعا الرمح على العرض من غير التفات وتهيؤ امارات انه يعتقد ان لا رمح فيهم بل كلهم عزل لا سلاح معهم فنزل منزلة المنكر وخوطب خطاب التفات بقوله (ان بنى عمك فيهم رماح) مؤكدا بان وفى البيت على ما اشار إليه الامام المر زوقى تهكم واستهزاء كانه يرميه بان فيه من الضعف والجبن بحيث لو علم ان فيهم رماحا لما التفت لفت الكفاح ولم تقو يده على حمل الرماح على طريقة قوله: فقلت لمحرز لما التقينا * تنكب لا يقطرك الزحام يرميه بانه لم يباشر الشدائد ولم يدفع إلى مضائق، المجامع كأنه يخاف عليه ان يداس بالقوائم، كما يخاف على الصبيان والنساء لقلة غنائه وضعف بنائه. (و) يجعل (المنكر كغير المنكر إذا كان معه) أي مع المنكر. (ما ان تأمله) أي شئ من الدلائل والشواهد ان تأمل المنكر ذلك الشى (ارتدع) عن انكاره ومعنى كونه مع ان يكون معلوما له ومشاهدا عنده كما تقول لمنكر الاسلام الاسلام حق من غير تأكيد لان مع ذلك المنكر دلائل دالة على حقيقة الاسلام. وقيل معنى كونه معه ان يكون معه موجودا في نفس الامر. وفيه نظر لان مجرد وجوده لا يكفى في الارتداع ما لم يكن حاصلا عنده. وقيل معنى ما ان تأمله شئ من العقل. وفيه نظر لان المناسب حينئذ ان يقال ما ان تأمل به لانه لا يتأمل العقل بل يتأمل به. (نحو لا ريب فيه) ظاهر هذا الكلام انه مثال لجعل منكر الحكم كغيره وترك التأكيد لذلك. وبيانه ان معنى لا ريب فيه انه ليس القرآن بمظنة للريب ولا ينبغى ان يرتاب فيه وهذا الحكم مما ينكره كثير من المخاطبين لكن نزل انكارهم منزلة عدمه لما معهم من الدلائل الدالة على انه ليس مما ينبغى ان يرتاب فيه والاحسن ان يقال انه نظير لتنزيل وجود الشئ منزلة عدمه بناء على وجود ما يزيله فانه نزل ريب المرتابين منزلة عدمه تعويلا على وجود ما يزيله حتى صح نفى الريب على سبيل الاستغراق كما نزل الانكار منزلة عدمه لذلك حتى يصح ترك التأكيد. (وهكذا) أي مثل اعتبارات الاثبات (اعتبارات النفى) من التجريد عن المؤكدات في الابتدائي وتقويته بمؤكد استحسانا في الطلبى ووجوب التأكيد بحسب الانكار في الانكارى تقول لخالي الذهن ما زيد قائما أو ليس زيد قائما وللطالب ما زيد بقائم وللمنكر والله ما زيد بقائم وعلى هذا القياس. الاسناد الحقيقي والمجازي (ثم الاسناد) مطلقا سواء كان انشائيا أو اخباريا (منه حقيقة عقلية) لم يقل اما حقيقة واما مجاز لان بعض الاسناد عنده ليس بحقيقة ولا مجاز كقولنا الحيوان جسم والانسان حيوان وجعل الحقيقة والمجاز صفتي الاسناد دون الكلام لان اتصاف الكلام بهما انما هو باعتبار الاسناد واوردهما في علم المعاني لانهما من احوال اللفظ فيدخلان في علم المعاني. (وهى) أي الحقيقة العقيلة (اسناد الفعل أو معناه) كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل والظرف (إلى ما) أي إلى شئ. (هو) أي الفعل أو معناه (له) أي لذلك الشئ كالفاعل فيما بنى له نحو ضرب زيد عمرا أو المفعول فيما بنى له نحو ضرب عمر وفان الضاربية لزيد والمضر وبية لعمرو (عند المتكلم) متعلق بقوله له وبهذا دخل فيه ما يطابق الاعتقاد دون الواقع (في الظاهر) وهو ايضا متعلق بقوله له وبهذا يدخل فيه ما لا يطابق الاعتقاد والمعنى اسناد الفعل أو معناه إلى ما يكون هو له عند المتكلم فيما يفهم من ظاهر حاله وذلك بان لا ينصب قرينة دالة على انه غير ما هو له في اعتقاده ومعنى كونه له ان معناه قائم به ووصف له وحقه ان يسند إليه سواء كان صادرا عنه باختياره كضرب أو لا كمات ومرض.
Shafi 37