(ورد) هذا الاستدلال (بان المعنى لكاذبون في الشهادة) وفي ادعائهم المواطأة، فالتكذيب راجع إلى الشهادة باعتبار تضمنها خبرا كاذبا غير مطابق للواقع، وهو ان هذه الشهادة من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة ان واللام والجملة الاسمية (أو) المعنى انهم لكاذبون (في تسميتها) أي في تسمية هذا الاخبار شهادة لان الشهادة ما يكون على وفق الاعتقاد فقوله تسميتها مصدر مضاف إلى المفعول الثاني والاول محذوف (أو) المعنى انهم لكاذبون (في المشهود به) اعني قولهم انك لرسول الله لكن لا في الواقع بل (في زعمهم) الفاسد واعتقادهم الباطل لانهم يعتقدون انه غير مطابق للواقع فيكون كاذبا باعتقادهم وان كان صادقا في نفس الامر فكأنه قيل انهم يزعمون انهم كاذبون في هذا الخبر الصادق وحينئذ لا يكون الكذب الا بمعنى عدم المطابقة للواقع فليتأمل. لئلا يتوهم ان هذا اعتراف بكون الصدق والكذب راجعين إلى الاعتقاد. (والجاحظ) انكر انحصار الخبر في الصدق والكذب واثبت الواسطة وزعم ان صدق الخبر (مطابقته) للواقع (مع الاعتقاد) بانه مطابق (و) كذب الخبر (عدمها) أي عدم مطابقته للواقع (معه) أي مع اعتقاد انه غير مطابق (وغيرهما) أي غير هذين القسمين. وهو اربعة اعني المطابقة مع اعتقاد عدم المطابقة، أو بدون الاعتقاد اصلا، أو عدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة، أو بدون الاعتقاد اصلا (ليس بصدق ولا كذب) فكل من الصدق والكذب بتفسيره اخص منه بالتفسيرين السابقين لانه اعتبر في الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد جميعا وفي الكذب عدم مطابقتهما جميعا بناء على ان اعتقاد المطابقة يستلزم مطابقة الاعتقاد. ضرورة توافق الواقع والاعتقاد حينئذ وكذا اعتقاد عدم المطابقة يستلزم عدم مطابقة الاعتقاد حينئذ. وقد اقتصر في التفسيرين السابقين على احدهما (بدليل افترى على الله كذبا ام به جنة) لان الكفار حصروا اخبار النبي عليه السلام بالحشر والنشر على ما يدل عليه قوله تعالى إذا مزقتم كل ممزق انكم لفى خلق جديد في الافتراء والاخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو. ولا شك (ان المراد بالثاني) أي الاخبار حال الجنة لا قوله ام به جنة على ما سبق إلى بعض الاوهام (غير الكذب لانه قسيمه) أي لان الثاني قسيم الكذب إذ المعنى اكذب ام اخبر حال الجنة وقسيم الشئ يجب ان يكون غيره (وغير الصدق لانهم لم يعتقدوه) أي لان الكفار لم يعتقدوا صدقه فلا يريدون في هذا المقام الصدق الذى هو بمراحل عن اعتقادهم، ولو قال لانهم اعتقدوا عدم صدقه لكان اظهر. فمرادهم بكونه خبرا حال الجنة غير الصدق وغير الكذب وهم عقلاء من اهل اللسان عارفون باللغة فيجب ان يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب حتى يكون هذا منه بزعمهم وعلى هذا لا يتوجه ما قيل انه لا يلزم من عدم اعتقادهم الصدق عدم الصدق لانه لم يجعله دليلا على عدم الصدق بل على عدم ارادة الصدق فليتأمل. (ورد) هذا الاستدلال (بان المعنى) أي معنى ام به جنة (ام لم يفتر فعبر عنه) أي عدم الافتراء (بالجنة لان المجنون لا افتراء له) لانه الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فالثاني ليس قسيما للكذب، بل لما هو اخص منه، اعني الافتراء فيكون هذا حصرا للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه اعني الكذب عن عمد والكذب لا عن عمد.
Shafi 32