Mukhtasar Kitab Al-I'tisam
مختصر كتاب الاعتصام
Mai Buga Littafi
دار الهجرة للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
Nau'ikan
(النَّوْعُ الثَّالِثُ): أنَّ اللهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا سَبِيلًا إِلَى الْإِدْرَاكِ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَاسْتَوَتْ مَعَ الْبَارِي تَعَالَى فِي إِدْرَاكِ جَمِيعِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ، إِذْ لَوْ كَانَ كيف كان يكون؟ هَذَا وَجْهٌ، وَوَجْهٌ آخَرُ:
وَهُوَ أَنَّ الْعَقْلَ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ قَاصِرُ الْإِدْرَاكِ فِي عِلْمِهِ، فَمَا ادَّعى عِلْمَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي زَعَمَ أَنَّهُ أَدْرَكَهَا، لإمكانِ أَنْ يُدركها مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَعَلَى حال دون حال.
فالإنسانُ -وَإِنْ زَعَمَ فِي الْأَمْرِ أنَّه أَدْرَكَهُ وَقَتَلَهُ عِلْمًا- لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ إِلَّا وَقَدْ عَقَلَ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَقَلَ، وَأَدْرَكَ مِنْ عِلْمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَدْرَكَ قَبْلَ ذَلِكَ، كُلُّ أَحَدٍ يُشَاهِدُ (ذَلِكَ) مِنْ نَفْسِهِ عِيَانًا، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ بمعلومٍ دون معلوم، ولا بذات دُونَ صِفَةٍ، وَلَا فِعْلٍ دُونَ حُكْمٍ فَكَيْفَ يصِحُّ دَعْوَى الِاسْتِقْلَالِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِلْمُ الْعَبْدِ؟ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى دَعْوَى الِاسْتِقْلَالِ البتَّة حَتَّى يَسْتَظْهِرَ فِي مَسْأَلَتِهِ بِالشَّرْعِ -إنْ كَانَتْ شَرْعِيَّةً- لأنَّ أَوْصَافَ الشَّارِعِ لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا البتَّة، وَلَا قُصُورَ وَلَا نَقْصَ، بَلْ مباديها مَوْضُوعَةٌ عَلَى وَفْقِ الْغَايَاتِ، وَهِيَ مِنِ الحِكمة.
(النَّوْعُ الرَّابِعُ): إِنَّ الشَّرِيعَةَ مَوْضُوعَةٌ لِإِخْرَاجِ المكلَّف عَنْ دَاعِيَةِ هَوَاهُ، حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ.
فاللهُ تَعَالَى وَضَعَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ كبيرهم وصغيرهم مطيعهم وعاصِيهم، بَرْهم وفاجرهم.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشَّرَائِعِ إنَّما وُضِعَتْ لِتَكُونَ حُجَّةً عَلَى جَمِيعِ الأُمم الَّتِي تَنْزِلُ
1 / 136