المقصود هنا نزول الوحي بالقرآن الكريم في مكة المكرمة، وأول شيء نزل من القرآن الكريم كان في غار حراء الذي هو في أعلى جبال فاران، وعبارة طبعة سنة ١٨٤٤م: (ومعه ألوف الأطهار)؛ وعبارة بعض النسخ القديمة: (ومعه ألوف الصالحين ومعه كتاب ناري) صريحة في الدلالة على الصحابة الذين نصروا محمدا ﷺ، وعز الدين بمتابعتهم له وجهادهم معه، فإذا فكر العاقل المنصف من هو النبي المبعوث في فاران ومعه ألوف الأطهار والصالحين ومعه كتاب ناري - الذي ما منه سورة إلا وفيها الوعيد بالنار للكافرين والمخالفين له - علم يقينا أن هذا المبشر به هو محمد ﷺ، ولوضوح هذه البشارة في الدلالة عليه وكأنها نص فيه عمد أهل الكتاب إلى حذف عبارة: (ومعه ألوف الأطهار) وعبارة: (ومعه كتاب ناري) من الطبعات الحديثة، فهذه البشارة تدل دلالة صريحة على الأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وتدل على الكتب الثلاثة المنزلة عليهم في هذه المواضع الثلاثة المباركة، وهي موافقة لقوله تعالى في سورة التين آية ١-٣: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ - وَطُورِ سِينِينَ - وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين: ١ - ٣] حيث أشار لمواضع بعثة الأنبياء الثلاثة؛ لأن فلسطين يكثر فيها التين والزيتون، لكن لما كان المقصود في القرآن التعظيم، تدرج من الأدنى إلى الأعلى، فرسالة موسى ﵇ أعظم من رسالة عيسى ﵇، ورسالة محمد ﷺ أعظم من رسالتيهما، وكذلك مكة أشرف وأقدس من فلسطين وسيناء، ولما كان المقصود في التوراة الخبر التاريخي فقط ذكرت هذه المواضع الثلاثة مرتبة على حسب زمان بعثة الأنبياء الثلاثة، فشبه بعثة موسى بمجيء الفجر، وشبه بعثة عيسى بشروق الشمس، وشبه بعثة محمد ﷺ بالظهور والاستعلان في كبد السماء الذي هو أوضح من سابقيه، وبه يتم النور على الخلائق ويكتمل، ولم يستعلن دين وكتاب في الأرض ماحيا من ظلمات الشرك والوثنية كالإسلام والقرآن اللذين جاء بهما محمد ﷺ.