الرأي وأكثر العلماء، وهو الصحيح لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة: "أفأنقضه للحيضة؟ قال: لا"، رواه مسلم. وحديث عائشة ليس فيه حجة، لأنه ليس في غسل الحيض، إنما هو للإحرام في حال الحيض. ولو ثبت الأمر حمل على الاستحباب، جمعًا بين الحديثين، ولأن فيه ما يدل على الاستحباب، وهو المشط والسدر. وغسل الحيض كغسل الجنابة، إلا أنه يستحب أن تغتسل بماء وسدر، وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع بها مجرى الدم والموضع الذي يصل إليه الماء من فرجها، ليزول عنها زفورة الدم، فإن لم تجد مسكًا فغيره من الطيب. والفرصة القطعة من كل شيء.
ويتوضأ بالمدّ، ويغتسل بالصاع؛ فإن أسبغ بدونهما أجزأه، وهذا مذهب أكثر أهل العلم. وقيل: لا يجزئ في الغسل والوضوء دون ذلك. وحكي عن أبي حنيفة لقوله: يجزئ من الوضوء مدّ، ومن الجنابة صاع. ولنا: أن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به، وعن عائشة: "أنها كانت تغتسل هي والنبي ﷺ من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك". ١ فإن زاد على المد في الوضوء، وعلى الصاع في الغسل، جاز، فإن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي ﷺ من إناء واحد في قدح يقال له: الفرق". ٢ والفرق: ثلاثة آصع. وقال أنس: "كان رسول الله ﷺ يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد". ٣ متفق عليه.
ويكره الإسراف في الماء، للآثار. قال ابن عبد البر: المغتسل إذا عم بدنه ولم يتوضأ، فقد أدى ما عليه، لأن الله تعالى إنما افترض عليه الغسل؛ وهذا إجماع لا خلاف فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء فيه تأسيًا به ﷺ.
ويستحب له إذا أراد النوم أو الأكل أو الوطء ثانيًا،
_________
١ مسلم: الحيض (٣٢١) .
٢ البخاري: الغسل (٢٥٠)، والنسائي: الطهارة (٢٣١) .
٣ البخاري: الوضوء (٢٠١)، ومسلم: الحيض (٣٢٥) .
1 / 61