ولا يطهر جلد الميتة بالدباغ. وعنه: يطهر منها جلد ما كان طاهرًا في الحياة. قال بعض أصحابنا: يطهر جلد مأكول اللحم؛ وهو مذهب الأوزاعي وإسحاق، لقوله: "ذكاة الأديم: دباغه"؛ ١ والذكاة إنما تُعمل في مأكول اللحم. والأول ظاهر كلام أحمد، لأن قوله: "أيما إهاب دُبغ، فقد طهر" ٢ يتناول المأكول وغيره، خرج منه ما كان نجسًا في الحياة، لكون الدبغ إنما يرفع نجاسة حادثة بالموت، وحديثهم يحتمل أنه أراد بالذكاة: الطيبة، كقولهم: رائحة ذكية. ويحتمل أنه أراد بها الطهارة؛ يدل عليه أنه لو أراد بالذكاة الذبح، لأضافه إلى الحيوان كله لا إلى الجلد. فأمّا جلود السباع، فلا يجوز الانتفاع بها، وبه قال الأوزاعي وإسحاق. وروي عن ابن سيرين وعروة: الرخصة في الركوب على جلود النمور. ومذهب الشافعي طهارة جلود الحيوانات كلها، إلا الكلب والخنزير. وحكي عن أبي يوسف طهارة كل جلد. وحكي عن مالك، لعموم: "أيما إهاب دُبغ، فقد طهر". ٣ ولنا: "نهيه ﷺ عن ركوب جلود النمور". رواه أبو داود.
وله في حديث آخر: "نهى عن جلود السباع والركوب عليها". وإذا قلنا بطهارته بالدباغ، لم يحل أكله. فظاهر كلام الشافعي أنه إن كان من مأكول جاز، لأن الدباغ ذكاة، والأول أصح، لقوله: "إنما حرّم أكلها". ٤ ولا يلزم من الطهارة إباحة الأكل. ولا يجوز بيعه قبل الدبغ، لا نعلم فيه خلافًا، وهل يطهر بالدبغ قبل الغسل؟ قيل: لا، لقوله: "يطهِّرها الماء والقرظ". ٥ رواه أبو داود. وقيل: بلى، لقوله: "أيما أهاب دُبغ، فقد طهر". ٦ ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة، وقال مالك: يطهر، لقوله: "ذكاة الأديم دباغه"، ولنا: أن النهي عن جلود السباع عام، ولأنه ذبح لا يبيح اللحم؛ وقياس الذكاة على الدبغ لا يصح لأنه أقوى.
ولبن الميتة نجسٌ لأنه مائع في وعاء نجس،
_________
١ أحمد (٣/٤٧٦) .
٢ مسلم: الحيض (٣٦٦)، والترمذي: اللباس (١٧٢٨)، والنسائي: الفرع والعتيرة (٤٢٤١)، وأبو داود: اللباس (٤١٢٣)، وابن ماجة: اللباس (٣٦٠٩)، وأحمد (١/٢١٩)، ومالك: الصيد (١٠٧٩)، والدارمي: الأضاحي (١٩٨٥) .
٣ مسلم: الحيض (٣٦٦)، والترمذي: اللباس (١٧٢٨)، والنسائي: الفرع والعتيرة (٤٢٤١)، وأبو داود: اللباس (٤١٢٣)، وابن ماجة: اللباس (٣٦٠٩)، وأحمد (١/٢١٩)، ومالك: الصيد (١٠٧٩)، والدارمي: الأضاحي (١٩٨٥) .
٤ مسلم: الحيض (٣٦٣)، والنسائي: الفرع والعتيرة (٤٢٣٤)، وأبو داود: اللباس (٤١٢٠)، وابن ماجة: اللباس (٣٦١٠)، وأحمد (٦/٣٢٩) .
٥ النسائي: الفرع والعتيرة (٤٢٤٨)، وأبو داود: اللباس (٤١٢٦) .
٦ الترمذي: اللباس (١٧٢٨)، والنسائي: الفرع والعتيرة (٤٢٤١)، وأبو داود: اللباس (٤١٢٣)، وابن ماجة: اللباس (٣٦٠٩)، وأحمد (١/٢١٩)، والدارمي: الأضاحي (١٩٨٥) .
1 / 18