والثانية: "لا ينجس الماء إلا بالتغير، روي عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس والحسن". وهو مذهب الثوري وابن المنذر، لحديث بضاعة.
وذهب أبو حنيفة إلى أن الكثير ينجس بالنجاسة من غير تغيّر، إلا أن يبلغ حدًا يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه. واختلفوا في حده لقوله: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل منه"، ١ ولم يفرّق بين قليله وكثيره. ولنا: خبر القلتين وبئر بضاعة. وحديثهم لا بد من تخصيصه بما زاد على الحد الذي ذكروه؛ فتخصيصه بقول النبي ﷺ أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم من غير أصل. وما ذكروه من الحد تقدير من غير توقيف، ولا يصار إليه من غير نص ولا إجماع، مع أن حديثهم خاص بالبول، وهو قولنا في إحدى الروايتين جمعًا بين الحديثين؛ فنقصر الحكم على ما تناوله النص وهو البول، لأن له من التأكيد والانتشار ما ليس لغيره، إلا أن تكون النجاسة بولًا أو عذرة مائعة، ففيه روايتان:
إحداهما: لا ينجس، وهو مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم، لحديث القلتين. وحديث النهي عن البول فيه لا بد من تخصيصه بما لا يمكن نزحه إجماعًا. فتخصيصه بخبر القلتين أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم.
والأخرى: ينجس، لحديث النهي عن البول فيه، وإن كوثر النجس بماء يسير أو بغير الماء كالتراب ونحوه، فأزال التغير، لم يطهر في أحد الوجهين، والثاني يطهر لأن علة النجاسة زالت.
فأما غير الماء إذا وقعت فيه نجاسة، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: ينجس وإن كثر، لقوله: "وإن كان مائعًا، فلا تقربوه"، ٢ ولم يفرق بين قليله وكثيره.
الثانية: أنها كالماء، لا ينجس منها ما بلغ قلتين إلا بالتغير، قياسًا على الماء.
_________
١ البخاري: الوضوء (٢٣٩)، ومسلم: الطهارة (٢٨٢، ٢٨٣)، والنسائي: الطهارة (٥٨، ٢٢١) والغسل والتيمم (٣٩٧، ٣٩٨، ٣٩٩)، وأبو داود: الطهارة (٧٠)، وابن ماجة: الطهارة وسننها (٣٤٤)، وأحمد (٢/٣١٦، ٢/٣٤٦، ٢/٣٦٢، ٢/٣٩٤، ٢/٤٣٣، ٢/٤٦٤)، والدارمي: الطهارة (٧٣٠) .
٢ النسائي: الفرع والعتيرة (٤٢٦٠)، وأبو داود: الأطعمة (٣٨٤٢) .
1 / 13