ومنها الاعتقادات والإرادات والكراهات والظنون والأفكار، وتحرير الدليل على إثباتها أنه قد ثبت أن الواحد منا معتقد ومريد وكاره وظان ومتفكر فلا تخلو هذه الصفات إما أن تكون تثبت له لذاته أو لما هو عليه في ذاته أو لغيره. ولا يجوز أن تثبت له لذاته ولا لما هو عليه في ذاته لأنه لو كان كذلك لوجب أن تثبت له هذه الصفات ما دامت ذاته وما هو عليه من الصفة، ومعلوم خلافه. فلم يبق إلا أن هذه الصفات تثبت له لغيره وغيره لا يخلو إما أن يكون مؤثرا على سبيل الصحة، وهو الفاعل، أو مؤثرا على سبيل الإيجاب، وهو العلة. ولا يجوز أن تثبت له لمؤثر على سبيل الصحة لأن الصفات التي بالفاعل ليست إلا الحدوث وما يتبعه لأن الذي يتعلق بالفاعل هو حالة الحدوث دون غيرها. b ألا ترى أن كون الخبر كذبا وكون الكلام أمرا وكون الضرر ظلما ونحو ذلك من الصفات التي تثبت بالفاعل لا تتعلق بالفاعل إلا حالة الحدوث فيوجده أمرا ويوجده خبرا ويوجده ظلما حالة الحدوث. ثم لو قدرنا البقاء على هذه الذوات لم يصح خروجها عن هذه الصفات فلا يصح أن يخرج الكذب عن كونه كذبا فيكون صدقا ولا الأمر عن كونه أمرا فيكون خبرا ولا الظلم عن كونه ظلما فيكون إنصافا وعدلا. وإنما وجبت هذه القضية لكون هذه الصفات مما يثبت بالفاعل بدليل أنها لو ثبتت بالعلة لم يجب فيها هذه القضية. ألا ترى أن كون الجسم مجتمعا لما لم يكن بالفاعل لم يجب فيه هذه القضية فإنه يجوز أن يثبت للذات في حال البقاء بعد أن لم يثبت لها ويجوز خروج الذات عن كونها مجتمعة في حالة البقاء. فلو كان كونه معتقدا ومريدا وكارها وظانا وناظرا بالفاعل لوجب أن تثبت هذه الصفات له حالة الحدوث وأن لا يجوز خروجه عنها في حالة البقاء، ومعلوم خلاف ذلك، فإنها تثبت له في حالة البقاء لا في حالة الحدوث ويجوز خروجه عنها في حالة البقاء، فثبت أنها لم تثبت له بالفاعل.
Shafi 142