الأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ العَوامَ مُؤْمِنونَ عارِفُونَ بِرَبِّهِم، وَأَنَّهُمْ حَشْوُ الجَنَّةِ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الأَخْبَارُ، وَانْعَقَدَ بِهِ الإِجْمَاعُ؛ فَإِنَّ فِطْرَتَهُمْ جُبِلَتْ عَلَى تَوْحِيدِ الصَّانِعِ، وَقِدَمِهِ، وَحُدوثٍ ما سِواهُ، وَإِنْ عَجَزُوا عَنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ باصْطِلاحِ المُتَكَلِّمينَ). اهـ.
ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ المُحَقِّقين: (وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّقْليدُ مِمَّنْ يَنْشَأ بِنَحْوِ قِمَّةِ(١) جَبَلٍ؛ لَنَّ غَيْرَه مُسْتَدِلٌّ بِوُجُودِ الصَّانِعِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ تَرْتِيبَ الدَّليلِ عَلَى طَرِيقَةِ المُتَكَلِّمِينَ، وَلا التَّرْجَمَةَ عَنْهُ). اهـ.
وَالتَّقْلِيدُ هُوَ الأَخْذُ والعَمَلُ بِقَوْلِ المُجْتَهِدِينِ، مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ دَلِيلِهِ، فمتى اسْتَشْعَرَ العامِلُ أَنَّ عَمَلَهُ مُوافِقٌ لِقَوْلِ إِمام فقد قَلَّدَه، وَلا يَحْتَاجُ إِلَى التَّلَفُّظِ بِالتَّقْلِيدِ.
قَالَ الشَّيْخُ ابنُ حَجَرٍ رحمه الله تعالى في ((الخَيْرَاتِ الحِسَان))(٢) بَعْدَما نَقَلَ حَدِيثَ: ((اخْتِلافِ أُمَّتِي رَحْمَةٌ))(٣) وَصَحَّحَهُ: (فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَعْتَقِدوا أَن خِلافَ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَة في الفُروعِ نِعْمَةٌ
(١) تصحّفت في الأصل إلى: قلّة.
(٢) (الخيرات الحِسَان في مناقبِ الإِمام الأعظم أبي حنيفة النُّعمان))، لابن حجر الهَيْتَمي، أحمد بن محمد بن علي (ت ٩٧٤هـ) طبع بتحقيق خليل الميس، في دار الكتب العلمية، ببيروت ١٤٠٣هـ.
(٣) حديث: ((اختلافُ أُمَّتي رحمة)) أخرجه نَصْر المقدسي في كتابه ((الحُجَّة))، والغزالي في ((الإِحياء)) ٤٦/١. قال العراقي في ((المغني عن حمل الأسفار»: (ذكره البيهقي في ((رسالته الأشعرية)) تعليقاً، وأسنده في ((المدخل إلى السنن الكبرى)) من حديث ابن عباس بلفظ: ((اختلاف أصحابي لكم رحمةٌ)) وإسناده ضعيف).