في العطية وكل العطايا لا تجوز للبالغين إلا بالإحراز، ومن لم يحرز للمعطي الرجعة، وإن مات ولم يحرز ما أعطى، فليس لورثته حجة، لأن الأصل لا يثبت إلا من طريق الإحراز، وإن مات الذي أعطاه ثم رجع ورثته لم يكن لورثته رجعة، والله أعلم، والعطية للقريب والبعيد والأجنبي، والوالدين والولد وغيرهم، جائزة ثابتة، إذا أحرز المعطي ما أعطى، وإن لم يحرز فلمن أعطى أن يرجع ما لم يحرز عليه، فإذا أحرز عليه لم يجز له رجعة، وهو كالراجع في قيئه، لأن الخبر ورد أن الراجع في هبته كالراجع في قيئه، والإحراز أن يزيله إلى عامل أو يستعمل فيه أو يرضم أو يشرط خوصا أو شيئا مما يعلم قبضه له به وحوزه إياه عن صاحبه إلا الزوجان، فإنهما إذا أعطى أحدهما الآخر عطية فقبلها، فقد أحرز والقبول يجزئهما عن القبض، ولا إحراز عليهما غير القبول، ولا رجعة لأحدهما بعد أن يقبل الآخر ما أعطاه، وإن أعطى أحدهما الآخر شيئا في الصحة فرده عليه في الصحة، أو في المرض فقد قيل إنه جائز، فانظر في ذلك، وأما الذي عليه عمل أصحابنا أنه لا يجوز رد العطية في المرض للزوجين ولا غيرهما، والله أعلم، وأما الذي خلط تمره بتمر زوجته وحبه بحبها، وكانا متفاوضين، فلما اختلفا طلبت إليه ذلك، قال إن كان خلطه بطيبة نفسها، ولا تنكر ذلك، ولا نكره، فلا شيء لها في جميع ذلك، وإذا كان ثمر نخلها معتزلا، ولم تصبح له منها عطية، فحكمه لها، ولو كان بقي مالها ويعمره لأن الرجل يعمر مال زوجته ويسقيه، عند طيبة الأنفس، وإن مات أو ماتت فلا شيء لها ولا لورثتها في الذي خلطه من ثمرة مالها، والله أعلم، هكذا موجود في كتاب الإيجاز عن الشيخ صالح بن وضاح، وكذلك الحب إذا كان من زرع أرضها، زرعه بنفسه، وكان غير مخلوط فحكمه لها، وقيل في رجل أعطى رجلا بعيرا غائبا، ثم قبض المعطي ما أعطى، ثم باع البعير المعطي بعدما قبضه، ثم رجع المعطي بعد ذلك، فقيل: إن كان غيبة البعير في مكان، إن لو أراده صاحبه أدركه، فليس له رجوع في ذلك، وإن وجب عليه رجوعه، وكان قد باعه، ولم يقدر عليه، فعليه مثله إن أدرك مثله أو قيمته، وإن لم يدرك معرفة قيمته، فالقول في القيمة قول الغارم، وإن طلب رد عليه فالغلة بالضمان، والله أعلم، والصبي إذا أعطى فلا إحراز عليه، فيما أعطى، فكلما أعطى الصبي شيئا ثبت له، وإن مات كان لورثته، إلا أن يبلغ الحلم فلا يحرز ما أعطى، فقد قيل إنه إن بلغ ولم يحرز، وقد علم بذلك، فلم يحرز، فرجع من أعطاه، فله الرجعة فيه، إلا الوالد وحده، فإن عطيته لولده الصغير عندهم لا تجوز، ولا هبته ولا نحله ولا يثبت له من ذلك شيء، ولو أحرز في صغره لم يثبت له حتى يبلغ، فإن بلغ وأعطاه ثم أحرز ثبت، وإن لم يحرز لم يثبت له ذلك، وإن أعطاه في صغره وبلغ الصبي وأحرز، وتمم له الأب ولم يرجع عليه، فله ذلك، وأما البالغ فإذا أعطاه أبوه عطية فأحرز، ثبت له ذلك بالإحراز، وقد قالوا إن للأب أن يرجع فيما أعطى أولاده البالغين، وأما الوالدة فلا رجعة لها، وهي كغيرها من الناس، إذا أحرز البالغ ثبت له، وإذا أعطت الصبي جازت له، ولا إحراز عليه، فإن أعطى البالغ أبوه شيئا فأحرزه، ثم أعطى عند موته الصغار مثل ما أعطى البالغ، أو بدلا منه ثبت لهم ما أعطوه، على أخيهم، في ذلك الذي أعطوه، ولا يثبت على غيره من الورثة، وقد قيل إن له الخيار إذا أعطى إخوته مثله، فإن شاء أتم ذلك لهم، وإن شاء خلط ما أعطى إلى ما أعطى إخوته، وقسم ذلك بينهم، وكل من أعطى عطية من ماله في الصحة لمن لا إحراز عليه، فقد ثبت له ذلك، مثل أن يعطي في الشذا أو في الرباط والجهاد الفقراء وابن السبيل وفي سبيل الله، وفي المساجد وفي إصلاح الطرق والسبيل ومن لا يقع عليه إحراز ممن تجوز له العطية قربة إلى الله فلا إحراز عليه في ذلك الله أعلم، وقد ثبت له ما أعطى من ذلك فهذا ما يأتي من العطايا والهبة عطية أيضا، وقيل إذا أوصى رجل لولده بشيء عوض ما أعطى إخوته، فقال إخوته لم يعطنا أبونا شيئا، وأنكروا ذلك بقولهم ويدخلون مع أخيهم فيما أوصى له به أبوه، وأما الإقرار فلا يدخلون معه.
وإذا أبرأ رجل أحدا من حق عليه له، ولم يقل الذي أبرأه قد قبلت برائتك فللذي أبرأه أن يرجع في برائه وإحراز البرآن، هو القبول، والله أعلم.
وقيل في رجل أهدى إلى رجل هدية في كراع أو أرسل إليه خطا هل عليه رد الكراع والقرطاسة، قال أما القرطاسة فلا، وأما الكراع فعليه رده، والله أعلم.
الباب الثامن والخمسون
Shafi 132