قال الله تعالى: { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } * أي منتشرا، والنذر الواجب ما كان طاعة لله، ولم يكن معصية لله، لأنه لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم، ومن نذر بشيء يريد به قربة لله ثم بلغه ذلك فعليه الوفاء، وذلك مثل أن يقول إن عافا الله ولدي صليت لله صلاة أو أطعمت المساكين، أو تقربت إلى الله، بصوم، أو بحج، أو اعتكاف، أو ما يكون به مطيعا لله، فإذا فعل الله له ذلك، فعليه الوفاء، بتلك الطاعة والاتمام بها، وإن نذر أن يصلي في بلد غير بلده أو يصل رحمه بنفسه، وهو لا يقدر أن يبلغ ذلك البلد، فإنه يصلي في بلده وينظر قدر كرائه إلى ذلك البلد فيعطيه الفقراء، وأحب أن يكفر نذره ولا يخرج من الاختلاف، ومن نذر أن يصلي في مائة مسجد، فلم يستطع، فقد قيل يخط مائة* مسجد ويصلي فيه مائتي ركعة، وإن نذرت امرأة أن تحج ماشية حاسرة عن رأسها، فلتغط رأسها وتحج راكبة وتحج أخرى معها، وتغطية رأسها لا يلزمها به شيء لأنها لو أخرجت رأسها كانت عاصية، ولا نذر في معصية الله، ومن نذر أنه يصوم ثلاثة أيام بلياليها، فصوم الليل معصية، ويصوم ثلاثة أيام، ولا شيء عليه في نذر صوم الليل، لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال، وتركنا الاختلاف، ومن نذر أنه يتصدق بماله ويطعم اللعابين* فهذا يطعم الفقراء من الصبيان والصغار، والمساكين ما كانوا صغارا أو كبارا، ولا يطعم اللعابين من الكبار شيئا، لأن ذلك معصية في اللعب، ومن نذر أنه يخرج من بلده لا لمعنى، فلا يخرج ويكفر نذره إذا حنث، فإن نذر أنه يخرج يصل رحما له وقدر فعل، وإن لم يقدر نظر كراه وأعطاه الفقراء، وإن نذر أنه يعتكف وقتا معروفا في مسجد معروف، لزمه ذلك ويدخل المسجد قبل غروب الشمس، لئلا يفوته شيء من الشهر، ويخرج من المعتكف إذا أتمه، بعد غروب الشمس، لأنه قد قضاه، ولا يكون الاعتكاف إلا بصوم، والمعتكف يكون في المسجد مقيما الليل والنهار، لأن الاعتكاف لزوم المكان والإقامة فيه، ولا يخرج من المعتكف إلا لبول أو غائط أو طعام يأتى به يأكله في المسجد، ولا يبيع ولا يشتري ولا يتحدث في غير موضع اعتكافه، ويخرج إلى منزله للبول والغائط، ولطعامه يأتى به، ولا مستأنس لحديث، وإن مر لوضوء فلقيه أحد فسلم عليه فليرد عليه السلام، ولا يعرج عليه لغير ذلك، ولا يتجاوز إلى مورد غير الذي عنده، ولا إلى خلاء أبعد من ذلك، فإن فعل أو تخطى أو تحدث أو اشتغل بغير معتكفه في بروز ما ينتقض اعتكافه، وجائز له أن يتحدث ف موضع اعتكافه بما لا إثم عليه فيه (ويأمر بضيعته وإن كانت له ضيعة عمل) ويؤمر أن يشتغل بذكر الله، لأن الاعتكاف إنما هو لذكر الله في بيوته، وقد قالوا يعود المرض ولا يقعد عنده، ولا يدخل بيتا مسقفا، ويخرج إلىالجنازة التي يلي الصلاة عليها، والله أعلم بذلك، واختلفوا في المعتكف فقال قوم لا يجوز إلا في المسجد الحرام، وقال قوم في المسجد الحرام، وفي مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال آخرون في المساجد التي يصلى فيها الجماعات جائز الاعتكاف فيها، لمن نذر بذلك والنذر في المعصية لا يوفى به، والاختلاف في الكفارة له، (ومن غير الكتاب وإذا نذرت المرأة أن تصوم أو تصلي أو تقضي نذرها ففي منع الزوج لها اختلاف، قول له وقول ليس له منعها عن أداء ما يجب عليها من اللوازم، وإذا أذن لها في الصوم وأراد أن يطأها فليس له ذلك، ولها أن تمنعه كان صومها كفارة أو نذرا أو تطوعا، إذا أذن لها، والله أعلم)*.
الباب السادس والخمسون
Shafi 123