في الحج قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } * وفرائض الحج التي لا يتم إلا بها بالإجماع عليها من المسلمين، بلا اختلاف فيها، مع ما دلت عليه السنة ونطق الكتاب: أولها: الإحرام والوقوف بعرفات وزيارة البيت الحرام يوم النحر بعد الذبح، فهذه فرائض متفق عليها، من فاته خصلة منها فلا حج له، وإن أفسدها ما يفسد به الحج فسد حجته، وهي قواعد الحج التي يخرج منها مسائل الحج، في كل ما يلزم في الإحرام من أحدث فيه، وأما العمرة، فقال قوم: إنها فريضة، وقال قوم: هي من شروط الحج، وهي في أشهر الحج متعة، ومن اعتمر في أشهر الحج كان متمتعا، وإن كانت في غير أشهر الحج كانت تامة، والإحرام فيها واجب كالإحرام في الحج، والطواف بالبيت، والسعي والإحلال، والحلق، والتلبية في الإحرام سنة، والنية فرض في الأعمال كلها في فرائض الحج، فالنية واجبة، والطواف لزيارة البيت فرض، والتسبيح والتكبير الذي يقال في الطواف سنة، والدعاء يستحب، والوقوف بعرفات فرض، والدعاء فيه والذكر فيه لله سنة وبإجماع، وهو شيء غير محدود، والإفاضة من عرفات بعد الغروب سنة، فمن أفاض قبل الغروب لم يتم حجه لأن الوقوف إلى الليل فرض، والإفاضة سنة، والوقوف عند المشعر الحرام سنة، والذكر عند المشعر الحرام سنة، والوقوف عند المشعر الحرام سنة، والذكر عند المشعر الحرام سنة، وقال قوم فرض، والإفاضة قبل طلوع الشمس عند المشعر الحرام سنة، ومن تخلف حتى تطلع الشمس لزمه الجزاء دام، ورمي الجمار سنة، ومن لم يرم جمرة العقبة يوم النحر لزمه دم، والذبح سنة، والحلق سنة، ومن حلق قبل الذبح لزمه دم، ومن حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة لزمه دم، لأن كل من حلق قبل أن يحل من إحرامه، لزمه دم، ولحلقه، حتى يرمي الجمار، ثم يذبح ويحلق، ثم يحل، ثم يزور، ويؤمر بتعجيل الزيارة يوم النحر فريضة، وإن أخر ذلك لم يلزمه شيء إذا زار، فإذا ذبح وحلق، فقد حل من إحرامه وحل له الحلال إلا النساء والصيد، حتى يزور البيت، ومن جامع في الحج وهو محرم فقد فسد حجه، وإذا زار وطاف بالبيت وركع، خرج وسعى بين الصفا والمروة، والسعي بين الصفا والمروة سنة، والدعاء على الصفا والمروة يستحب، ومن ترك السعي لزمه دم، ومن لم يزر ووطئ النساء فسد حجه، ولا حج له، والوداع سنة، ومن لم يودع لزمه الجزاء دم، ومن بات بمكة ليالي منى بعد الزيارة لزمه دم في كل ليلة، إذا نام ليلة فعليه الجزاء { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } *، فمن فرض فيهن الحج أحرم بالحج، فلا رفث، وهو الجماع، فإن جامع فسد حجه، ولا فسوق، والفسوق معصية الله، فمن عصى الله في الحج مما يلزمه الجزاء لزمه، ومن عصاه وفسق بشيء يلزمه فيه فساد الحج، مثل الجماع فسد حجه، ولا جدال في الحج، وهو الخصام، فمن خاصم وجادل بالباطل، فعليه الجزاء، وكل ما يلزم فيه الجزاء، فما كان في فرض الإحرام لأنه فرض، يجب به الحج، والمحرم لا يمس الطيب ولا يتطيب بدهن ولا غيره، مما فيه عرف طيب، وإن فعل لزمه الجزاء لذلك دم، ولا يلبس قميصا ولا عمامة ولا كمة* ولا يغطي رأسه ولا يعقد على نفسه عقدا بخيط ولا بثوب، فإن فعل شيئا من ذلك متعمدا لزمه الجزاء دم، وإن لم يحرم من الميقات حتى يجاوزه أحرم من حيث ذكر، أو من الحرم، ولزمه لترك الإحرام من الميقات دم، وإن غطى المحرم رأسه لزمه دم ، وإن اصطاد أو أكل لحم صيد أو قتل صيدا في الحرم لزمه لكل شيء من ذلك الجزاء دم إذا فعله، وإن غطى رأسه خطأ أو لبس خطأ وخلع ذلك ولبى، وإن دام يوما لزمه دم على الخطأ، وإن جاء المحرم عدو وليس آلة حربه وفدا بدم، وإن لبس القبا لزمه دم، وإن لبس الحرير لزمه دم، وفي لبس الحلي دم، إلا الخاتم، وإن قطع نفسه لزمه دم، وإن قطع فأدمى لزمه دم، وإن قطع غيره فأدمى ففي الدم دم، وإن نتف شعره فمسكين، وفي اثنتين فمسكينان، وفي ثلاث شعرات إلى ما أكثر دم، وإن حلق دم، وإن قصر دم، وإن قطع ظفرا لزمه مسكين، وفي ظفرين مسكينين، وفي ثلاثة أظفار دم، وإن ترك الهرولة بين الصفا والمروة لزمه دم، وإن قطع شيئا من شجر الحرم لزمه الجزاء بما يحكم به الحاكمان من مثل ذلك وجزاء مثل ذلك، وربما يحكمان عليه من قيمة ذلك، وإن قتل شيئا من الصيد يحكم عليه ذوا عدل جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم عليه بقيمة مثله، قل أو كثر، مما يرى الحكمان، وأكثره بدنة، وأقله إطعام مسكين فهذا من الشجر والصيد، وكل من قتل شيئا في الحرم فعليه الجزاء إلا الفأرة والحدأ والغراب، والكلب العقور، والحية والعقرب، فإن هؤلاء لا جزاء على من قتلهن في الحل ولا في الحرم، ويقتل كل مؤذ لأنهن ضارات، وفي الجرادة حكومة، وقيل تمرة، وفي الذرة لقمة أو قبضة من طعام، وفي القملة حبة أو تمرة، وما أطعم عنها خير منها، وفي الرخمة* دانقان* وفي الضب صاع وقيل جدي، وفي الضبع كبش، وفي الآرنب سخلة، وفي الظبي شاة، وفي الحمامة شاة، وفي البقرة بقرة، وفي الحمار جزور، وفي النعامة بقرة أو جزور، وفي بيض النعامة نصف درهم، وفي ولد النعامة ولد جزور مثله، وفي ولد الحمار ولد جزور مثله، وفي بيض الحمامة نصف درهم، وذلك كله يرجع إلى الحكومة، وفي الجزلة من الشجر شاة، وفي الدوحة جزور، وفي العود درهم، وفي قضيب صغير نصف درهم، وفي الورقة طعام مسكين، وهذا في الشجر حكومة، وإنما هذا إلى حكومة العدلين، وجائز للمحرم أن يضعف على ثوبي إحرامه، بثياب مخيطة أو غير مخيطة، وأما ما يذكر من لبس الطيلسان للمحرم، فالطيلسان هو كساء يعمل من خز أو صوف، والخز هو شجر مثل الكتان، والمحرم إذا أحرم على أثر صلاة مكتوبة أن نافلة، فليس له أن يصلي نافلة بعد صلاة العصر أو الفجر، ويجزيه إحرامه بغير صلاة والله أعلم، وأما المتمتع فهو إذا أراد دخول مكة في أشهر الحج، وأراد ألا يقيم على إحرامه إلى يوم النحر، فيلبي بعمرة، فإذا أتى البيت طاف، وسعى بين الصفا والمروة، وحلق وحل من إحرامه، فإن كان غنيا ذبح شاة يوم النحر، وإن كان فقيرا صام يوم سابع، ويوم ثامن، ويوم تاسع، وسبعة الأيام إذا رجع إلى بلده، وقول ولو رجع في الطريق، وقيل إن المتمتع بالعمرة إلى الحج، الذي يلزمه الهدي، هو الذي عنده ما يكفيه هو وعياله سنة، ولو كان ليس عنده في سفره ما يكفيه لقوته، وقال بعض الفقهاء إذا كان فقيرا في سفره، وليس معه ما يقوته ويخاف النقصان، فهذا غير واجد، ويجوز له الصوم، ولو كان غنيا في وطنه وهو أكثر القول، وكذلك الحاج بالأجرة، وأما إذا كان المعتمر بالحج فقيرا في وطنه في سفره، فليس عليه الذبح للمتعة، ويجزيه الصوم، ولو كان المحجوج له غنيا، والله أعلم، ومن أثر ينسب إلى محمد بن روح، رحمه الله، أن من كان ثلث ماله يكفي لحجة مكية ولم يكف لحجة كاملة باختلاف في لزومها عليه، فقيل عليه أن يوصي بها، وقيل ليس عليه وصية في ذلك ولا يلزمه، والله أعلم، والمتمتع إذا لم يجد هديا صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة، ثلاثة في السفر، وسبعة بعد رجوعه، والأيام المعدودات هي أيام التشريق، والأيام المعلومات هن أيضا في العشر، يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، لأن ذلك مطلوب فيه، أن يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام* فهي على الذبح، والمعدودات أيام الجمار في منى، ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى*، والحائض والجنب هما على إحرامهما، ولا ينتفض، ويلبس المحرم الثوب الدنس ويستبدل ثيابا غيرها، والحائض تفعل كما يفعل الحاج إلا الطواف بالبيت، حتى تظهر، ثم تطوف طوافا واحدا لحجها وعمرتها، يجزيها ذلك، وفي بعض الحديث أن من طاف بالبيت من المحرمين فقد أحل من إحرامه، والمحصور إذا لم يصل الحاج بعث ما استيسر من الهدي، وينحر عنه، ثم يحل هو من إحرامه، ويحج ما قابل، ومن كان به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك* والصيام ثلاثة أيام إلى ستة أيام، والصدقة طعام عشرة مساكين، وقول ستة مساكين، والنسك شاة، ومن كان به هوام يؤذيه في رأسه حلق وفدى ذلك كما قلنا، وقيل إن طواف الصدر فصفته، إذا دخل الحاج في أشهر الحج وتمتع بعمرة فإذا كان يوم ثامن من شهر الحج أمر أن يغتسل وطوف بالبيت هذا هو طواف الصدر، ويلبي بالحج ويحرم ويخرج إلى منى فيصلي فيها خمس صلوات فهذا هو طواف الصدر، وأما ما يوجد في الأثر في تأخير الزيارة إلى طواف الصدر، فالصدر هاهنا طواف الوداع، للخروج من مكة، وفيما يوجد في الأثر في تقليد الهدي فقيل: يجعل عليه علامة ليعرف أنه هدي، واختلفوا في الحاج فقول يلزمه الإحرام من حيث قلد هديه، وقول لا يلزمه إلا من الميقات، ومسائل الحج أكثر من هذه.
الباب الثالث والخمسون
في الدلالة في الحج
الحمد لله الذي فرض الفرائض، وعظم فريضة الحج فقال: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } *.
Shafi 99