في ذكر صلاة الجمع في السفر والجمع هي سنة أماتها للناس، وفي إحياء سنن الإسلام أعظم الثواب، وللمسافر السائر أن يجمع الصلاتين في أول الوقت وفي آخره، إذا نوى الجمع عند حضور الأولى، لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا حضرت الصلاة وهو نازل لم يرحل حتى يصلي، وإذا رحل ارتحل قبل الوقت أخر الأولى إلى الآخرة وجمع بينهما، وقد روي أنه كان يفرد في السفر ويجمع إذا سار، وأنه قد جمع الصلاتين في غزوة تبوك، وفي منى، وجمع في عرفات* واتفاق الأمة على إجازة الجمع بعرفات والمزدلفة ومنى* وفي إجماعهم هذا دحض لحجة من أبطل الجمع، وقد أجازوا الجمع للمسافر والمستحاضة، ولمن به جراحة مؤذية لا يرقأ دمها، والمبطون والمريض الثقيل، لحال المشقة وفي اليوم المطير، وفي السحاب إذا غمى الوقت، وفي هذا كله قد أجاز الفقهاء الجمع فيه، ولو صلى المصلي الصلاة في أوقاتها وهو غير جاحد للجمع في هذه المواضع، ولا يخطئ من فعل ذلك كان ذلك جائزا له، فإذا جمع وأخذ بالرخصة فقد أخذ بسنة وفرض لأن الفرض صلاة السفر والسنة الجمع في السفر، وللمسافر أن يجمع إذا خرج من حد الفرسخين، فإن جاوز عمران بلده فله أن يجمع، كذلك جائز له الجمع إلى يدخل عمران بلده ولو جمع ثم دخل بلده في وقت الأولى كان قد صلى ولا يلزمه شيء، والذي آمر به وأختاره: أنه إذا جاء مسافر يريد بلده، إذا كان يطمع بالدخول في وقت الأولى لم يجمع حتى يصلي في البلد، وإن كان يخاف فوت الأولى صلى الأولى، وأخر صلاة الآخرة حتى يصليها في بلده، وإن جمع فلا بأس، وإن صلاها فلا بأس، والمسافر إذا خرج من بلده وقد حضرت الصلاة ولم يصل فأراد الصلاة وقد خرج من عمران بلده، وكان الوقت قد حضر قبل خروجه، فأحب أن يصلي تلك الصلاة كما لزمته في البلد صلاة المقيم، ولا أحب له أن يجمع في هذا المكان، ولا أحب له أن يؤخرها وقد لزمته في البلد حتى يفوت الوقت ويجمع، وقيل إن الصبي إذا بلغ في السفر فإنه يتم الصلاة في الموضع الذي بلغ فيه حتى يتعدى الفرسخين ويخرج عنه، والعبد إذا اشتراه مسافر يقصر الصلاة فإنه يقصر الصلاة تبعا لسيده، والقصر يدخل على التمام في هذا، وإذا اشتراه في وقت صلاة قد حضرت، وهو في ملك السيد الذي يتم الصلاة ثم اشتراه مسافر وكان وقتها حاضرا والعبد بعده لم يصل، فالذي نحب للعبد أن يصلي تلك الصلاة تماما، وقيل إن المميتة* والبائنة بثلاث يوجد أن صلاتهما بصلاة نفسهما إن كانتا من قبل يقصران الصلاة وأما إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا فتكون صلاتها بصلاة زوجها، والمختلعة* إن كانت تصلي قصرا من قبل تبعا لزوجها فإنها ترجع إلى التمام إذا خالعها، وإن كانت تتم في بلد زوجها فلا تقصر حتى تتعدى الفرسخين، خلافا لمسألة العبد، وكذلك المميتة والبائنة القول فيهما واحد، والصبية التي يزوجها أبوها تكون صلاتها في السفر صلاة زوجها في أكثر القول، وأما اليتيمة تكون صلاتها في السفر صلاة أبيها حتى تبلغ وترضى بزوجها، وتكون صلاتها في الموضع تماما، حتى تنتقل منه وتتعدى الفرسخين، ثم تكون تبعا لزوجها في الصلاة إن رضيت به زوجا، وكذلك المغيرة من زوجها تكون صلاتها صلاة نفسها، إلا أنها تتم الصلاة في الموضع الذي تبلغ فيه، مثل ما تقدم في القول، وقيل إذا تزوج الرجل امرأة مسافرة، وهو مسافر، ثم إنهما سارا إلى بلد الزوج، وبعده لم يدخل بها، فقيل إذا رضيت به زوجا فإنها تصلي بصلاته وقيل إذا أدى إليها عاجلها وقول إذا دخل بها، والنية لبدل صلاة السفر يقول: أصلي لله بدل ما لزمني في سفري من فريضة صلاة الظهر والعصر أربع ركعات متوجها إلى الكعبة طاعة لله ولرسوله، وكذلك المغرب والعشاء الآخرة والوتر، وجدناه بخط الشيخ محمد بن عمر رحمه لله تعالى، ومن الفقهاء من قد أجاز له أن يجمع وأن يصلي صلاة السفر ولو حضرت الأولى في البلد، وقال قوم يصلي الأولى تماما ويجمع إليها الثانية قصرا، واختياري ألا يجمع في هذا المكان، ولكن يصلي الأولى في وقتها كما لزمته في البلد صلاة المقيم، ويؤخر الآخرة إلى وقتها ويصليها صلاة المسافر، والذي يقدم من سفره وتحضره الصلاة في السفر ولم يصل حتى دخل البلد وقد حضرت وقت الصلاة صلاها صلاة المقيم، وإن لم يصل في السفر حتى دخل البلد وقد فات الوقت، فلا آمن عليه من الكفارة، لأن هذا ترك الصلاة حتى فات الوقت، ومن صلى بالصعيد عند عدم الماء ثم وجد الماء في وقت الصلاة فقد جازت صلاته ولا إعادة عليه إلا أن يكون لم يطلب الماء، أو كان الماء في رحله أو قريبا منه، فصلى بالصعيد ثم علم بالماء، فعليه الوضوء والصلاة، وجائز للمسافر أن يصلي بالصعيد الطيب ما لم يجد الماء، ولو تطاول ذلك عليه حتى يجد الماء، وليس على المسافر جمعة ولا جماعة إلا أن يحضر ذلك فيصلي.
Shafi 69