72

Mukhtarat

مختارات من مقالات أمرسن

Nau'ikan

كسفا إلى جوارهما قيمة كل عمل عظيم. •••

إنه لا يثني ولا يحزن

على ما قدمت يداه؛

لأن الحقيقة تدافع عن نفسها،

كما تترك الطبيعة كل عمل لها

غير نادمة.

قرأت أن أولئك الذين استمعوا إلى لورد تشاتهام أحسوا أن هناك شيئا في الرجل أرق من كل ما ذكر. وقد شكا بعض القراء مؤرخنا الإنجليزي النابه للثورة الفرنسية قائلين إن كل الحقائق التي ذكرها عن ميرابو لم تبرر تقديره لعبقريته. إن الحقائق التي رويت عن جراتشي، وآجس، وكليومينس وغيرهم من أبطال فلوطارخس، لا توازي شهرتهم. ولقد كان سير فيليب سدني إيرل أسكس، وسير والتر رالي، رجلين ذوي شخصية كبرى وأعمال قليلة. إننا لا نستطيع أن نجد أدنى جزء من الوزن الشخصي لواشنطن إذا روينا أعماله الباهرة. كما أن سلطان اسم شلر أعظم من كتبه. وهذه المفارقة بين السمعة والأعمال أو القصص التي تروى لا يبررها القول بأن صدى الشيء أقوى من وقعه. ولكن شيئا يكمن في هؤلاء الرجال ويبعث فينا أملا أعظم من كل ما قاموا به من أعمال. إن الجانب الأعظم من قوتهم كان خفيا. وهذا هو ما نسميه الشخصية، قوة حبيسة تعمل مباشرة بوجودها وبغير وسيط، وهي قوة لا نتصور ظهورها، هي شيء مألوف أو ضرب من العبقرية ترشد دوافعه صاحبها، ولكنه لا يستطيع أن ينقله إلى غيره. وهي رفيقه حتى إن أمثال هؤلاء الرجال كثيرا ما يحبون العزلة، فإن كان من بينهم رجل اجتماعي، رأيته في غنى عن المجتمع، ويمكنه أن يجد أحسن السلوى وهو فريد. إن أخلص المواهب الأدبية قد يبدو عظيما في وقت ما، صغيرا في وقت آخر، ولكن الشخصية لها عظمة كوكبية لا تتضاءل. وما ينجزه الآخرون بالموهبة أو بالفصاحة، ينجزه هذا الرجل بنوع من المغناطيسية. «إنه لا يستغل نصف قواه.» ويخونه النصر بإظهار تفوقه، ولا يحرزه بقراع السيوف. وهو يهزم غيره لأن وصوله يغير وجه الأمور. («أي أيول! كيف عرفت أن هركيوليز إله؟» فأجاب أيول: «عرفت ذلك؛ لأني اقتنعت في اللحظة التي وقعت عليه فيها عيناي. عندما شهدت ثيسيس، تمنيت أن أراه يتطوع للقتال أو على الأقل يقود خيله في سباق العربات. ولكن هركيوليز لم ينتظر نضالا، إنه كان يهزم غيره سواء وقف أو سار أو جلس أو أيا كان ما يعمل.»)

إن الإنسان عادة يتعلق بالحوادث، ويرتبط بالعالم الذي يعيش فيه نصف ارتباط، وذلك في غير لباقة، ولكنه في هذه الأمثلة يبدو كأنه يقاسم الأشياء حياتها، ويكون تعبيرا لنفس القوانين التي تسير البحر والشمس، والأعداد والكميات.

ولأضرب مثلا آخر أشد تواضعا وأقرب إلى الأفهام: إنني ألاحظ أننا في انتخاباتنا السياسية، حيث لا يظهر هذا العنصر - إن ظهر بتاتا - إلا في صورة ساذجة، ألاحظ أننا ندرك أثره الذي لا يبارى إدراكا كافيا؛ فالناس يعرفون أنهم يطلبون فيمن يمثلهم شيئا أعظم بكثير من المواهب العقلية، إنهم يطلبون فيه القدرة على أن يجعل مواهبه موضع الثقة. إنهم لا يحققون أغراضهم إذا هم بعثوا إلى الكنجرس خطيبا عالما ذرب اللسان طلق الحديث، إذا لم يكن رجلا قبل أن يعينه الناس ليمثلهم قد عينه الله - جل جلاله - كي يمثل حقيقة من الحقائق، حقيقة يؤمن بها في نفسه إيمانا لا يقهر، حتى يعلم أشد الناس ثقة وأشدهم عنفا أن في شخصه مقاومة تذهب معها هباء كل جرأة وكل فزع، وأعني بها الإيمان بحقيقة ما.

إن الرجال الذين ينجحون ليسوا بحاجة إلى أن يستفسروا من ناخبيهم عما يقولون، إنما هم أنفسهم البلد الذي يمثلون. وليست عواطف هذا البلد أو آراؤه أشد تأهبا أو صدقا في أي مكان منها لديهم، وليست في أي موضع آخر غيرهم في مثل ما هي لديهم من صفاء من تلويث الأنانية. إن الناخبين في موطنهم يصغون إلى كلماتهم، ويرقبون لون خدودهم، وعلى هذه الصورة - كأنها المرآة - يكيفون أنفسهم. إن مجتمعاتنا العامة مقاييس طيبة جدا لقوى الرجولة. إن مواطنينا المخلصين من أهل الغرب والجنوب يتذوقون الشخصية، ويحبون أن يعرفوا إن كان الرجل من أهل «نيو إنجلند» متين البناء، أم تستطيع الأيدي أن تخترقه.

Shafi da ba'a sani ba