Zabin Labarai Na Yukiyo Mishima
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
Nau'ikan
فالفتى لا يسمع شيئا على الإطلاق ولا يعي عقله أي شيء. ولكن بدت الحكمة في عينيه الصافيتين، مما جعل أنري يعتقد أنه قادر على نقل ما يريد قوله من خلال عينه إلى تلك العيون الصافية مباشرة، وليس عن طريق الكلمات.
ولهذا السبب تكلم أنري وكأنه يتوجه بحديثه إلى الفتى. الحديث لم يكن باللغة اليابانية التي يجيدها أنري ويتحدث بها في العادة بطلاقة، بل هو حديث باللغة الفرنسية المختلطة بلهجة أهل بلدته في جبال وسط فرنسا. ولو صادف وسمع باقي أطفال القرية تلك اللغة، لكان لها عندهم سمع لا يتناسب مع لغة «تنغو»، تلك اللغة الأم، ذات الحروف المتحركة الكثيرة، التي كأنها تخرج سلسة متدفقة من فمه.
مرة أخرى قال أنري وهو يخلط ذلك بالتنهدات: «يا للعجب، وكأنها قطعان من الأغنام! يا ترى كيف حال أولئك الأغنام الصغيرة الوديعة في سيڤين؟ لا بد أنها ولدت صغارا، ثم صار لها أحفاد وأولاد أحفاد، ثم في النهاية آل مصيرها إلى الموت.»
جلس أنري على إحدى الصخور، وقد جاءت جلسته بحيث لا تحجز أعشاب الصيف عنه منظر البحر البعيد.
حشرات الزيز تصيح بصخب، وكأنها كامنة في كل أرجاء الجبل.
وجه أنري حديثه إلى الفتى؛ إلى عينيه الصافيتين: «أنت لن تفهم ما سأقوله بالتأكيد. ولكن حتما أنت الوحيد من بين سكان هذه القرية الذي سيصدق ما سأقول. حسنا، سأبدأ الحديث. ربما تكون القصة غير قابلة للتصديق، حتى بالنسبة لك أنت، ولكن اسمع مني. فلا يوجد أحد غيرك من الممكن أن يأخذ كلامي هذا على محمل الجد.»
تحدث أنري بلجلجة في الكلام. وعندما تنحسر الكلمات في فمه، يقوم بهز جسده برعشة غير مألوفة عليه، ويبدو وكأنه يحاول إيقاظ الكلمات واستدعاءها بتلك الرعشة. «في غابر الزمان، عندما كنت في مثل عمرك تقريبا، لا بل كنت في عمر أصغر من عمرك بكثير، كنت راعيا للغنم في سيڤين. سيڤين تلك هي منطقة جبلية رائعة الجمال في وسط فرنسا، تحت سفح جبال بيلا، وكانت الأراضي ملكا للدوق تولوز. ربما لا تفهم ما أقول ؛ فلا أحد هنا يعرف اسم موطني الأصلي.
كان الوقت هو عام 1212م عندما سلبت منا الأراضي المقدسة للمرة الثانية، بعد أن كانت الحملة الصليبية الخامسة قد نجحت في استعادتها لمرة. وقتها سقط الفرنسيون صرعى للحزن والأسى، وارتدت النساء ملابس الحداد مرة أخرى.
كان وقت الغروب في أحد الأيام، عندما كنت ألاحق قطعان الأغنام لإعادتها من المرعى، وأنا على وشك الصعود إلى إحدى الهضاب. كانت السماء مصبوغة بلون عجيب. الكلب الذي كنت أصطحبه معي، نبح بصوت خفيض، وقد أخفى ذيله، وهو يحاول الاختباء خلف ظلي.
رأيت المسيح ينزل من فوق الهضبة مقتربا مني، وهو يرتدي ملابس بيضاء تتلألأ. كانت له لحية شبيهة تماما لما شاهدته كثيرا في اللوحات التي تصوره، ويبتسم ابتسامة تملؤها الرحمة الواسعة. سجدت أمامه على الأرض. مد «السيد» يده إلي، ومسح على رأسي بشكل مؤكد وقال: «أنت يا أنري من سيستعيد أورشليم المقدسة. أنتم أيها الفتيان من سيعيد لنا أورشليم من أولئك الأتراك
Shafi da ba'a sani ba