Zababbun Labarai daga Tatsuniyoyin Turanci
مختارات من القصص الإنجليزي
Nau'ikan
ولم يكتف توم سيمون بأن يجعل كل ما معه من زاد ومئونة رهن مشيئة المستر أوكهيرست، بل أظهر السرور والاستمتاع بهذه العزلة الاضطرارية، وراح يقول : «سنبقى أسبوعا، ثم يذوب الثلج، فنعود جميعا معا.» وأعدت القوم بشاشة الشاب وسكينة المستر أوكهيرست. واستطاع الغرير، بفضل أفرع الصنوبر أن يصنع سقفا للكوخ، وتولت الدوقة إرشاد بيني في ترتيب الحجرة، وأظهرت في ذلك من الذوق والفطنة ما فتح عيني هذه الغادة الريفية الساذجة، فقالت: «أحسبك ألفت في حياتك مناعم العيش في بوكر فلات.» فأدارت الدوقة وجهها بسرعة، لتخفي الدم القاني الذي صبغ وجهها تحت دهانه المألوف. وتقدمت الأم شبتون إلى الفتاة بالرجاء أن لا «تثرثر» ولما عاد المستر أوكهيرست بعد طول الكد والعناء في البحث عن الطريق الذي ضاع أثره، سمع أصوات الضحك ترجعه الصخور المتجاوبة به، فوقف وقد ارتاع، ووثب به الخاطر أولا إلى الويسكي الذي حرص على أن يخبئه، ولكنه عاد فقال: «ولكن هذه الأصوات ليست من فعل الويسكي.» ولم يطمئن قلبه إلا بعد أن أبصر النار المستعرة من خلال العاصفة الثائرة، ورأى الجالسين حولها.
ولا أعلم هل خبأ المستر أوكهيرست، أو أهمل أن يخبئ أوراق اللعب أيضا، حتى لا يجعلها في متناول الجماعة، ولكن المحقق أنه - كما قالت الأم شبتون - لم يجر لسانه بذكر الورق ولا مرة واحدة في تلك الليلة، وزجي الفراغ بقيثارة أخرجها توم سيمون من أحرازه وهو مباه بها. واستطاعت بيني على الرغم من بعض الصعوبات أن تخرج من هذه الآلة بعض الأصوات، وكان الغرير يصحبها بصنجين يضرب أحدهما على الآخر، غير أن هذه الحفلة لم تبلغ ذررتها إلا حين رفع الحبيبان الصوت عاليا بنشيد ديني ساذج، ويداهما متشابكتان. وأعديا غيرهما، فانضموا إليهما وأنشدوا معهما: «إني فخور بأن أحيا في خدمة الرب، وأن أموت في جيشه.»
وتمايلت أشجار الصنوبر، وهاجت العاصفة، وزفزفت الرياح، ودارت فوق هؤلاء التعساء، ووثبت ألسنة النار في هذا «المعبد» نحو السماء كأنها شهود على هذا العهد.
وخفت العاصفة حوالي منتصف الليل، وتفرقت السحب المتراكمة، وتلاحمت النجوم الخفاقة اللمعان فوق النوام. وكان المستر أوكهيرست قد تركته عادات حرفته (القمار) قليل النوم خفيفه، فلما اقتسم مع توم سيمون واجب الحراسة، استطاع بطريقة ما، أن يختص نفسه بالنصيب الأوفر منها، وكان مما أقنع به الغرير قوله إنه كثيرا ما كان يقضي أسبوعا كاملا بلا نوم، فسأله توم: «وماذا كنت تصنع؟» فقال أوكهيرست: «ألعب البوكر ... متى وقع المرء على حظه فإن التعب لا يعتوره ... وما أقوى الحظ وأعجب حاله! كل ما نعرفه عنه على وجه التحقيق هو أنه لا بد أن يتغير ويتقلب، وإدراك المرء أن الحظ يوشك أن يتحول هو الذي يسعده. ولقد وقعنا على حظ سيئ بعد أن غادرنا بوكر فلات، وإذا بك تجيء وتقع معنا! وأنت بخير ما وسعك أن تصبر لأني (قال المقامر هذا بلا مناسبة؛ ولكنه كان واضح البشر) لأني فخور بأن أحيا في خدمة الرب، وأن أموت في جيشه.»
وطلع اليوم الثالث، وأطلت الشمس من خلال الغمام الأبيض، على الطرداء وهم يقتسمون بعض ما بقي من زادهم المتناقص، لطعام الإفطار، وكان من خصائص هذا الإقليم الجبلي أن أشعة الشمس تنشر فيه الدفء على وجوهه الشاتية، كأنما تعرب بذلك عن عطفها وأسفها لما مضى وفات، ولكنها كشفت عن طبقة فوقها طبقة من الثلج المتراكب المتعالي حول الكوخ، عن بحر مجهول لا طريق فيه، ولا درب له، ولا أمل لسالكه، من الثلج المتراكم تحت الشطئان الصخرية التي يتعلق بها هؤلاء المقذوف بهم عليها. وكان الجو عجيبا في صفائه، حتى لكانوا يرون الدخان المتصاعد من حلة بوكر فلات على مسافة أميال وأميال، وقد رأته الأم شبتون فقذفت الحلة، من ذروة معقلها الصخري، بلعنة أخيرة. وكانت هذه آخر بذاءاتها، ولعلها لهذا السبب كانت على حظ من الجلال. وقد أخبرت الدوقة أن هذه اللعنة التي أطلقتها نفعتها وشفت نفسها، ودعتها أن تحذو حذوها قائلة: «اخرجي إلى هناك، والعني، ثم انظري.» ثم رجعت إلى واجب تسلية «الطفلة» كما كانت هي والدوقة تسميان الفتاة «بيني»، ولم تكن بيني ضعيفة، ولكنه كان يسر هاتين المرأتين أن تعداها كذلك، لأنها كانت لا بذية صخابة، ولا عسوسا فاجرة.
وأقبل الليل مرة أخرى، فعادت ألحان القيثارة تعلو وتهبط متقطعة، وبعد فترات طويلة، حول النار الموقدة، غير أن أصوات الموسيقى لم تستطع أن تملأ الفراغ الوجيع الذي أحدثته قلة الكفاية في الطعام، فاقترحت بيني ملهاة جديدة هي أن يقص كل واحد قصته. ولم يكن لا المستر أوكهيرست ولا رفيقتاه على استعداد لذكر شيء من سيرهم أو تجاربهم الشخصية، فكاد الاقتراح يحبط، لولا الغرير، فقد عثر قبل بضعة شهور على نسخة من ترجمة المستر بوب (الشاعر) لإلياذة هومر، فرأى أن يقص حوادثها الكبرى باللهجة الدارجة في حلة ساندي بار، فقد نسي عبارة الشاعر وألفاظه، وإن كانت الحوادث منقوشة على صدره. وهكذا عاد أبطال هومر وأربابه فمشوا على الأرض مرة أخرى في تلك الليلة، وكان زفيف الريح كأنما يمثل صراع الطرواديين الصخابين، والأغارقة الماكرين، وكأنما كانت أشجار الصنوبر العظيمة تنحني أمام غضب ابن بلياس.
وكان المستر أوكهيرست ينصت وهو راض ساكن، وقد اهتم على الخصوص بمصير أخيل.
وهكذا - بقليل من الطعام، وكثير من هومر والقيثارة - انقضى أسبوع على هؤلاء الطرداء. وخذلتهم الشمس مرة أخرى، فاحتجبت عنهم، وألقت السماء المدجنة، رقائق من الثلج المنخول، على الأرض. وأخذ نطاق الثلج يزداد كل يوم ضيقا حتى صاروا ينظرون من سجنهم إلى جدران من الجليد اللماع، ترتفع مقدار عشرين قدما فوق رءوسهم. وتعذر شيئا فشيئا تقوية النار بإلقاء الحطب عليها حتى من الأشجار المنقصفة القريبة التي اختفى نصفها في الجمد. ومع ذلك لم يشك منهم أحد، فكان الحبيبان ينصرفان بوجهيهما عن هذا المنظر الجهم، وينظر كل منهما في عين صاحبه فيسعد، ووطن المستر أوكهيرست نفسه على السكون إلى هذه اللعبة الخاسرة، وتولت الدوقة التي صارت أكثر بشاشة وطلاقة مما كانت من قبل، العناية ببيني، أما الأم شبتون التي كانت أقوى الجميع، فقد بدأت تفتر، وتعتل، وتدنف، وفي منتصف ليلة اليوم العاشر دعت المستر أوكهيرست إلى جانبها، وقالت له بصوت الساخط على الضعف: «سأقضي نحبي، ولكن لا تقل شيئا، ولا توقظ الطفلين، وخذ الحزمة التي تحت رأسي وافتحها.» ففعل المستر أوكهيرست كما أمرت، فألفى نصيبها من الزاد طول الأسبوع، لم تمسه يدها. وقالت، وهي تومئ إلى بيني: «أعطه للطفلة.» فقال المقامر: «لقد أمت نفسك من الجوع.» فقالت المرأة بضجر: «كذلك يقولون.» واستلقت، ثم أدارت وجهها إلى الحائط، ولفظت النفس الأخير في سلام.
وأهملت القيثارة والصنج في ذلك اليوم، ونسي هومر، وبعد أن دفنوا رفات الأم شبتون في الثلج، انتحى المستر أوكهيرست بالغرير ناحية وأراه حذاءين للسير على الثلج صنعهما من سرج قديم، وقال: «هناك فرصة - واحد في المائة - لإنقاذها.» وأشار إلى بيني، ثم إلى ناحية بوكر فلات وقال: «إذا استطعت أن تصل إلى هناك في يومين، فإنها تنجو.»
فسأله توم سيمون: «وأنت؟»
Shafi da ba'a sani ba