Zababbun Labarai daga Tatsuniyoyin Turanci
مختارات من القصص الإنجليزي
Nau'ikan
فهز الجندي القديم رأسه، ودوم حدقتيه الجاحظتين، حتى لتوقعت أن أراهما تسقطان من محجريهما، ثم لمس جانب أنفه المكسور بإصبعه القذر، وقال: «القهوة!» وذهب يعدو إلى غرفة داخلية.
وقد كان لهذه اللفظة المفردة التي نطق بها ذلك الجندي العتيق الشاذ، من الوقع ما يشبه السحر في الحاضرين، فنهضوا جميعا دفعة واحدة لينصرفوا، ولعلهم كانوا يطمعون أن ينالوا شيئا بفضل ما كسبت، فلما وجدوا صديقي الجديد تأبى له شهامته ومروءة نفسه أن يدعني أسكر حتى لا أعي، ذهب أملهم فيما كانوا يتطلعون إليه من المتعة على حسابي، ومهما تكن البواعث التي حملتهم على الخروج، فإن الواقع أنهم انصرفوا معا. ولما عاد الجندي وجلس مرة أخرى إلى المائدة أمامي، كانت الغرفة خالية إلا منا، وكنت بحيث أستطيع أن أرى الضريب فيما يشبه الدهليز، يتناول عشاءه. وصار السكون أعمق وأرهب. وتغير الجندي السابق بغتة، واتخذ هيئة الجد الصارم، وصار إذا تكلم لا يزين عبارته أو يؤكدها بالأيمان، أو فرقعة الأصابع، أو الصيحات أو غير ذلك.
وقال لي بلهجة من يفضي إلي بسر: «اسمع يا سيدي العزيز نصيحة جندي قديم. لقد ذهبت إلى ربة الدار (وهي سيدة ظريفة ونابغة في الطبخ) لأقنعها بوجوب العناية بإعداد قهوة قوية جيدة لنا. فعليك أن تشرب هذه القهوة لتذهب عنك سورة الشراب قبل أن تمضي إلى بيتك، لا غنى بك عن ذلك يا صديقي الكريم. فإن عليك أن تحمل كل هذا المال معك إلى بيتك الليلة، ومن واجبك نحو نفسك أن تحتفظ بعقلك. وقد عرف جسامة مكاسبك ناس كثر كانوا هنا الليلة، وهم جديرون بالثقة ولكن الإنسان إنسان، يا سيدي العزيز، فهم لا يخلون من مواطن ضعف، وقد لا يستطيعون أن يقاوموا الفتنة ويصدوا عما يغريهم. فهل أحتاج أن أقول أكثر من ذلك؟ كلا! فإنك تفهم عني وتدرك ما أعني. والآن هذا ما ينبغي أن تفعل: تبعث في طلب مركبة حينما ترى أن نفسك قد ثابت إليك، وأغلق نوافذها كلها عندما تركب، ومر السائق أن يجتاز بك إلى بيتك الشوارع الكبيرة المضاءة. افعل هذا تسلم ويسلم لك مالك. افعل ما أشير به، وغدا ستدرك أنك مدين بالشكر لجندي هرم على ما أخلص لك النصح فيه.»
وما كاد الجندي السابق ينتهي من خطبته التي ألقاها بصوت شجي، حتى جاءت القهوة، مصبوبة في فنجانين. وناولني صديقي المحتفي بي أحد الفنجانين وهو ينحني لي . وكان ريقي جافا من الظمأ فشربت القهوة دفعة واحدة. ولم أكد أرد الفنجان إلى مكانه حتى انتابني دوار شديد، وأحسست أني ازددت سكرا، وصارت الغرفة تدور بي بعنف، وصار الجندي فيما يبدو لي يصعد ويهبط أمامي كأنه كباس آلة بخارية. وأصمني صوت يدوي في مسمعي، واستولى علي الشعور بالحيرة والذهول، والعجز، والغباء، فنهضت عن الكرسي، وأنا أعتمد على المائدة لأحتفظ بتوازني، وتمتمت أني مريض ثاقل
5
فلست أدري كيف أذهب إلى بيتي.
فقال الجندي، وكان صوته أيضا فيما يخيل إلي، يضطرب ويعلو ويهبط كبدنه: «يا صديقي العزيز، إن من الجنون أن تذهب إلى بيتك وأنت على هذا الحال. فستفقد مالك على التحقيق. وقد تسرق وتقتل أيضا بسهولة. إني أنا سأنام هنا، فنم هنا أيضا، فإنهم يجيدون إعداد الأسرة وتسويتها في هذا البيت. خذ سريرا، وأفسد سورة الخمر بالنوم، ثم عد غدا إلى بيتك، وأنت آمن، ومعك مكاسبك، في وضح النهار.»
ولم يبق في رأسي سوى خاطرين؛ الأول: أن لا أدع الصرة المحشوة بالمال تفلت من يدي. والثاني: أنه يجب أن أرقد حالا وأنام لأرتاح مما أعانيه، ومن أجل هذا قبلت ما اقترحه الجندي من النوم هنا، وتناولت ذراعه، وحملت الصرة بيدي الأخرى. وتقدمنا الضريب فاجتزنا بعض الممرات وصعدنا درجات إلى الغرفة التي سأنام فيها. وهز الجندي يدي مصافحا بحرارة، واقترح أن نفطر صباح غد معا، ثم خرج يتبعه الضريب.
فأسرعت إلى حوض الغسيل، وشربت بعض ما في القلة من الماء، وصببت الباقي في الحوض ووضعت وجهي فيه، ثم قعدت على كرسي وحاولت أن أستعيد وثاقة حالي. فسرعان ما أحسست أني أفيق وأن قوتي ترجع إلي، وقد كان الانتقال من الجو الفاسد في حجرة القمار إلى الهواء البارد في هذه الغرفة، ومن نور مصابيح الغاز الوهاجة إلى ضوء الشمعة الخافت الهادئ مما قوى الانتعاش الذي أفادنيه الماء البارد، فزال عني الدوار وبدأت أشعر أني قاربت حالة الأصحاء العقلاء. وكان أول ما جرى ببالي هو الخطر الذي يستهدف له من ينام الليل كله في بيت من بيوت القمار، وكان الذي جرى ببالي بعد ذلك هو الخطر الأكبر الذي يتعرض له من يحاول الخروج من البيت بعد أن يوصد بابه، والذهاب إلى البيت وحده في الليل، مخترقا شوارع باريس ومعه مبلغ ضخم من المال. ولقد نمت في شر من هذا البيت خلال أسفاري العديدة. ولذلك صح عزمي على أن أسك الباب وأضببه
6
Shafi da ba'a sani ba