Zababbun Labarai daga Tatsuniyoyin Turanci
مختارات من القصص الإنجليزي
Nau'ikan
وخطر لي أن من البلاهة أن أبتل، فنهضت وتلفت، فرأيت شخصا عظيما كأنه منحوت من حجر أبيض يبدو من وراء الشجيرات والثلج المتساقط، وفيما عدا ذلك لم تأخذ عيني شيئا من الدنيا.
ومن العسير وصف ما خالج نفسي. وقد صار هذا الشخص أوضح لما رق الثلج المتساقط، وكان عظيما جدا فقد كانت هناك شجرة عالية لا تبلغ إلا كتفه. وكان مصنوعا من الرخام الأبيض، وعلى صورة أبي الهول بجناحين، ولكن الجناحين كانا منشورين فله هيئة الطير إذ يخفق. وكانت القاعدة على ما بدا لي من البرونز والصدأ عليه كثير، واتفق أن كان وجه التمثال إلي، فخيل إلي أن عينيه تراقباني، وكان على فمه طيف ابتسامة، وكانت الرياح قد عصفت به، فلمنظره في النفس وقع المرض؛ فوقفت أنظر إليه هنيهة - نصف دقيقة أو نصف ساعة - فكان يخيل إلي أنه يتقدم نحوي ويرتد عني كلما رق الثلج أو كثف. وأخيرا حولت عنه لحظي فرأيت ستار الثلج يرق ويشف، ورأيت السماء تضيء مؤذنة بظهور الشمس.
فرجعت بصري إلى التمثال الأبيض الرابض؛ فأدركت مبلغ ما في رحلتي هذه من الجرأة والمجازفة. وماذا عسى أن يظهر متى ارتفع هذا الستر؟ وماذا ترى أصاب الناس؟ كيف يكون الحال إذا كانت القسوة قد صارت نزعة عامة أو إذا كان الجنس الآدمي قد فقد في هذه الفترة التي اجتزتها، رجوليته، ونزع صفته الإنسانية وخسر روح العطف وأفاد القوة الماحقة؟ ألا أبدو له حيوانا مستوحشا من العالم القديم يضاعف التقزز منه هذا الشبه الباقي؛ مخلوقا قذرا يستحق أن يذبح بلا رحمة؟
ورأيت مناظر أخرى عظيمة؛ بنى ضخمة ذات أسوار ملتوية، وعمد سامقة وأخذت عيني شيئا فشيئا، مع سكون العاصفة سفح الجبل المكسو بالشجر، فاستولى علي الرعب، وأهويت على آلة الزمان أحاول أن أصلحها، فخلصت إلي في هذه اللحظة أشعة الشمس من خلال العاصفة المجلجلة، وانقطع ما كان يسح من السحاب وزال كما تزول ذلاذل (أسافل) أثواب الأشباح، وكانت تغشى زرقة السماء قطع من السحاب الرقيق لم تلبث أن اختفت، ووضحت المباني العظيمة لعيني وبرزت معالمها، ولمع ما بللها من المطر، وكساها ما لم يذب من البرد حلة بيضاء، فأحسست كأني عريان في عالم أجنبي، وشعرت بما أحسب الطائر يشعر به وهو يطير في الهواء ويعلم أن الصقر يخفق فوقه ويوشك أن ينقض عليه. وصار خوفي ذعرا، فملأت رئتي هواء، وقرضت أسناني، وأكببت على الآلة أعالجها بعنف فلانت لعزمي واعتدلت، وأصابت ذقني بقوة، ووقفت وأنا ألهث، وإحدى يدي على السرج والأخرى على الرافعة استعدادا للركوب مرة أخرى.
وتشجعت لما وثقت من إمكان العود بلا تلكؤ، وزادت رغبتي في الاستطلاع وقل خوفي من هذا العالم الذي يعيش في المستقبل السحيق، ووقعت عيني في نافذة مستديرة في إحدى البيوت القريبة على لفيف من الناس في ثياب رقيقة ثمينة، ورأوني كما رأيتهم، فصارت عيونهم علي.
وسمعت أصواتا تدنو مني، ورأيت رءوس رجال وأكتافهم، وهم يعدون مقبلين من بين الأشجار، مارين بأبي الهول الأبيض، وبرز أحدهم في الطريق المؤدي إلى حيث كنت واقفا إلى جانب الآلة. وكان مستدق الجسم - حوالي أربع أقدام - وفي ثياب قرمزية، وعلى وسطه حزام من جلد، وفي قدميه صندلة وساقاه عاريتان إلى الركبتين. وتنبهت وأنا أنظر إليه إلى أن الجو دافئ.
ووقع في نفسي أنه على حظ كبير من الجمال والرشاقة، ولكنه ضعيف جدا وأذكرني وجهه المضطرم بحمرة الخد في المسلول. وثابت إلي ثقتي بنفسي لما رأيته فرفعت يدي عن الآلة. (5) في العصر الذهبي
وما لبثت أن صرت وجها لوجه - أنا وذلك الإنسان الضعيف الخارج إلي من المستقبل، وقد تقدم مني، وتبسم لي في عيني - ولم يسعني إلا أن ألاحظ أنه لا أثر للخوف في حركاته. ثم التفت إلى اثنين آخرين كانا يتبعانه وكلمهما بلغة غريبة فيها عذوبة ولين.
وكان هناك آخرون مقبلين، فصار حولي من هذه المخلوقات الجميلة ثمانية أو عشرة. وخاطبني أحدهم، فكان من الغريب أنه دار في نفسي أن صوتي أخشن وأعمق من أن يخف عليهم، فهززت رأسي، ثم هززته مرة أخرى وأنا أشير إلى أذني. فتقدم مني خطوة، وتردد قليلا، ثم لمس يدي، وتابعه الآخرون فجعلوا يلمسون ظهري وكتفي كأنما أرادوا أن يستوثقوا من أني شخص حقيقي، ولم يكن في هذا ما يزعج أو يفزع، بل لقد كان هؤلاء الآدميون الصغار يعمرون الصدر بالثقة فقد كانت فيهم رقة، ورشاقة، وبساطة كبساطة الأطفال، وكان ما يبدو من ضعفهم يخيل إلي أن في وسعي أن أعصف بجميعهم بلا عناء، ولكني اضطررت أن أحذرهم بإيماءة حين رأيت أيديهم الدقيقة تلمس الآلة وتتحسسها. وألهمت، قبل فوات الأوان، أن أتقي خطرا لم أعن به من قبل، ففككت الرافعتين اللتين هما مبعث الحركة، ووضعتهما في جيبي ثم واجهتهم وأنا أفكر في وسيلة للتفاهم.
وتوضحت وجوههم وتأملت معارفها، فظهرت لي خصائص أخرى؛ ذلك أن شعرهم الجعد ينتهي عند خدودهم وأعناقهم لا أثر له على وجوههم. أما آذانهم فدقيقة جدا، وأما أفواههم فصغيرة وشفاهها رقيقة حمراء، وأذقانهم مخروطة الشكل، وعيونهم واسعة لينة النظرة، وقد يكون هذا أنانية مني، ولكنه خيل إلي أنهم لم يبدوا من الاكتراث ما كنت أتوقع.
Shafi da ba'a sani ba