ومن أولى مزايا هذا «الفن» الجليل تخليد «الوظيفة» للفنان على الزمان، ولو عصفت أحداث السياسة بلداته جميعا! ومنها الوثب في الدرجات مثنى وثلاث ورباع، وخماس وسداس وسباع.
وإني لأعرف طائفة من هؤلاء «الفنانين » مهد لهم «الفن» الدرج كله، فتناولوه وثابا في كل وزارات: عدلي، وثروت، ونسيم، ويحيى، وسعد، وزيور، وعدلي، والنحاس، ومحمد محمود، حتى بلغوا القنة بدقة الفن وحده، ناعمين بثقة الجميع، ولا إيمان لهم بواحد من الجميع!
ألا حيا الله هذه الهمم، وحيا معها تلك الذمم!
امتحان! ...1
أنكد أيامي في القضاء الشرعي، هي تلك الأيام التي قضيتها في محكمة «كذا» الجزئية التابعة لمحكمة «كذا» الكلية، ولهذه المحكمة رئيس وافر الذكاء شديد المكر، وفيها نائب وقاض لا أصفهما إلا بما جرى بيني وبينهما في هذا الحديث.
في يوم أيوم تلقيت كتابا من «الرياسة» بندبي إلى «الكلية» لتكملة «الهيئة» لجلسة امتحان المأذونين، وفي اليوم «الموعود» مضيت كارها، ورأيت ألا أضيع الوقت سدى، فأنشأت وأنا في الطريق أضع الأسئلة التي تطلبها لائحة المأذونين، سواء في الفقه الحنفي، أم في الأحكام النظامية للزواج والطلاق، أو في الحساب، أو الإملاء، أو الخط، وسويت كل سؤال على صورة حادثة مما يعرض للمأذونين في مهنتهم كلما دعوا إلى زواج أو إلى طلاق.
وبلغت المحكمة فإذا حجرتها الكبرى تموج بحضرات المتقدمين للامتحان، وقد كبوا على الأرض كبا، وأعني الأرض نفسها لأنها متجردة ليس عليها بساط ولا حصير، وهم بين متربع، وبين مقع، وبين معتمد على كعبيه وقد تعلق سائره، وبين جالس على إحدى ركبتيه، وفي يمين كل منهم قلم، وفي يساره كاغد وبين يديه دواة من فخار، وفي صدر الحجرة دكة انحط عليها صاحبا الفضيلة النائب والقاضي، والجميع جاثمون في انتظاري، فاتخذت لي بين الشيخين مجلسا، وأومأت إليهما فتجمعت رءوسنا نحن الثلاثة، وقلت لهما هامسا: لقد هيأت أسئلة الامتحان، فإذا راقت لكما ألقيتها على المشايخ، وبذلك يتهيأ لي أن أعود إلى محكمتي في الحال، ففيها عمل كثير يحتاج إلى طول علاج، فقالا: هات ما أعددت؛ فتلوته عليهما؛ فهبا في نفس واحد:
لا، لا! وهتف النائب عن يميني: نحن لا نوافق، فرجع القاضي عن شمالي: أبدا أبدا! وهمس النائب: «إحنا ما نخرجوش عن اللائحة»، فردد القاضي، بعد أن رفع كلتا يديه حتى حاذتا فوديه، وأهوى بهما على فخذيه: «لا لا، ما نقدرشي نخرج عن اللائحة»، فحقنت غيظي وقلت لهما في رفق: فما حكم اللائحة في ذاك؟ فدعا النائب باللائحة فجاء بها الحاجب ودفعها إليه، ففرها حتى وقع منها على الفصل الذي تجري فيه أحكام الامتحان، وتلا ما معناه: يؤدي طالب المأذونية امتحانا في أحكام الزواج والطلاق وما يتعلق بهما شرعا ونظاما، وفي الإملاء والحساب والخط، ثم أقبل علي وقال: أرح نفسك، فقد وضعنا أسئلة تنطبق على أحكام اللائحة تمام الانطباق، قلت: فهاتها.
فتلا علي ما يأتي:
السؤال الأول:
Shafi da ba'a sani ba