287

انظروا كيف يصنع الأدب! اللهم إني لزعيم بأن يجلو على الناس كل ما في هذا العالم من جميل وبديع، مما يتصل بالصور والمعاني جميعا، فإذا عزه الجمال في ظواهر الأشياء، راح يتدسس إلى بواطنها، فاحتال على استخراجه وجلاه على النفوس جلوا، ولربما مال إلى القبيح في ظاهره وفي باطنه معا، فسوى منه صورا لها جمالها ولطفها في باب التلميح والتفكيه، أليس البخل في الناس قبيحا جدا؟ ومع هذا يأبى الأدب إلا أن يجعل من البخل والبخلاء بابا من أوسع أبوابه، وأبلغها في إعجابه وإطرابه، سواء فيما صور من نوادر البخلاء وطرائفهم، أو فيما صورهم به فحول البلاغة في منثورهم ومنظومهم.

والتطفيل ولا شك أقبح من البخل وأكره وأرذل، ومع هذا لقد كان قسمه من الأدب كذلك.

والآن نقص عليكم طائفة من نوادر الطفيليين من المتقدمين، وما قالوا وما قيل فيهم، فإذا اتسع الوقت قفينا على ذلك ببعض نوادر من شهدنا من المحدثين:

مر طفيلي بالبصرة على قوم وعندهم وليمة، فاقتحم عليهم وأخذ مجلسه ممن دعي، فأنكره القوم وقالوا: لو تأنيت أو وقفت حتى يؤذن لك أو يبعث إليك؟ فقال: إنما اتخذت البيوت ليدخل فيها، ووضعت الموائد ليؤكل عليها، وما وجهت بهدية فأتوقع الدعوة، والحشمة قطيعة، وطرحها صلة، وقد جاء في الأثر: صل من قطعك، وأعط من حرمك وأنشد:

كل يوم أدور في عرصة الدا

ر أشم القتار شم الذباب

فإذا ما رأيت آثار عرس

أو دخان أو دعوة الأصحاب

لم أعرج دون التقحم لا أر

هب طعنا أو لكزة البواب

Shafi da ba'a sani ba