5
واحد في غير نفع مادي! اللهم إنه في كل هذا الكلام لا يصدر عن طبع، ولا يعتلج له حس، ولا تترقرق به عاطفة، إن هو إلا التكلف في اصطياد المعاني، والصنعة في خلق الأخيلة، مباراة لشعراء العصر، واستخراجا لأموال الممدوحين، فبهذا كانت تستخرج منهم الأموال.
كان أبو نواس في جميع أسباب حياته شاعرا مفتنا إذ هو إلى ذلك رجل مستهتر، خلع مثانيه، وتحلل من كل ما يأخذ الناس به نفوسهم في هذا المجتمع، أو ما ندعوه نحن في عصرنا هذا «بالتقاليد»، فإذا رأيته يصف الخمر ويغلو في مدحها أشد الغلو، وإذا رأيته يرسل القريض في ألوان العبث، فلا يتحرج من قول ولا يتأثم من نكر، ويبتذل في هذا من نفسه للناس بما يضن به أدناهم مروءة على ذات نفسه، مهما يكن في سر من الناس، إذا رأيته كذلك فاعلم أنك في شعر أبي نواس المفتن حقا، والمرسل النفس حقا، والمنتضح الطبع حقا، أما إذا رأيته في ذلك الذي أغلى أقدار غيره من الشعراء من المديح وغير المديح، فاعلم أن الرجل قد خرج عن طبعه، واطرح شاعريته، وراح يتكلف القريض تكلفا، حتى إذا أصاب به رزقا، أقبل على نفسه واعتنق شاعريته الحق، ولا يزال في شأنه هذا حتى ينفذ زاده، ويرق عتاده، فلا يرى بدا من أن ينقلب إلى معالجة «المهنة»، وهكذا.
قال أبو نواس في إحدى مدائحه يصف الناقة:
ولقد تجوب بي الفلاة إذا
صام النهار وقالت العفر
6
شدنية رعت الحمى فأتت
ملء الحبال كأنها قصر
7
Shafi da ba'a sani ba