228

وإنني أرجوكم أولا أن تقبلوا النظر في هذه «الطقاطيق» التي تمطرون بها كل بكرة وكل عشي، إذن فلستم واجدين في أكثرها الكثير إلا كل رذل وسمج وسخيف وبارد من الكلام!

حدثوني بعيشكم: أي غرض من مثل هذا الذي تسمعون كل يوم وكل ساعة، وأي معنى فيه، وأي مغزى له؟

وهنا أرفع شارة «الخطر»، ليأخذ من شاء الحذر: اللهم إن كان يطلب بهذا الهراء من القول معنى أو يستشرف به إلى مغزى، فهو تصوير عقلية هذه الأمة الكريمة أقبح الصور وأنكرها، بل إن من بين هذه الأغنيات لما يسعى جاهدا إلى إشاعة الفاحشة فيها!

لقد كانت «الطقاطيق» تغنى في القديم، وكان أكثر من يصطنعها ويرددها جماعات «العوالم» في أعراس الطبقة الوسطى وما دونها، على أنها كانت ظريفة خفيفة على السمع، عفة بريئة من فحش القول، فإن هي شذت في القليل النادر جدا، فشذوذها لا يصل بها إلى هذا الذي يدعونه الأدب المكشوف على أي حال! على أن أعلام المغنين كانوا يرددون في قليل من الأحيان المقطوعات التي تتسق في ألفاظها ومعانيها لأخطارهم وجلالة محلهم، وإذا كان قد غنى في بعض تلك «الطقاطيق» النسائية، فإن ذلك منه إنما كان على جهة التطرف والتمليح!

سيداتي، سادتي

اسمحوا لي بأن أبين الفرق بين أغاني الرجال جملة، وأغاني النساء جملة، وهذا الفرق وإن دق وصغر فإن له أثره البعيد: فأغاني هؤلاء يغتفر فيها من الطراوة والرخاوة ما لا يغتفر في أغاني الرجال، سواء أكانت تلك الطراوة والرخاوة في اللفظ أم كانت في طريقة الأداء، ولهذا ساغ للسيدات أن يغنين جميع أغاني الرجال، في حين لا يسوغ لهؤلاء أن يتغنوا بكل ما يتغنى به السيدات؛ لأنه إذا جاز للمرأة أن تشتد وتعنف - ولقد يكون ذلك جميلا منها في بعض الأحيان - فقبيح كل قبيح بالرجل أن يسترخي ويتكسر ويتفكك ويتزايل، والعياذ بالله تعالى!

وإن أعجب لشيء في هذا البلد، فعجبي لأن الكثرة الكثيرة من مغنيات الطبقة الأولى يغنين غناء قويا مستمسكا لا أثر في نبراته لتميع ولا لاسترخاء، وتأبى حلوقهن إلا أن ترسل الخالص الجوهري من حر الكلام، في حين نسمع رجالا، رجالا عدة مجتمعين، أعني فرقة بأسرها، من لم يشعل الشيب منهم رأسه، فلا أقل من أن له أولادا مميزين، لعل فيهم من ارتقى إلى المدارس الثانوية بله العالية، هؤلاء الرجال لا يتأثمون من أن يغنوا على أملاء الناس: «لابسة الدواق ليلة الزفة، فرحانة بالدخلة ... وخايفة إلخ ...»، يا للفضيحة ... ويا لانخذال الطباع! ...

وبعد، فهل هذا كلام يليق بالرجال؟ لا والله ولا يليق بالنساء!

ولا يكفي هذا، بل يؤبى إلا أن يطبع في «أسطوانات» تذيع في الشرق والغرب، ويصيح بها «الراديو» في كل مكان!

لقد أفهم يا سيداتي وسادتي، أن تغني سيدة في السيدات: «مبروك عليك عريسك الخفة، يا عروسة يا زاينة الزفة» مثلا، لكنني لا أتصور، ولا أطيق أن أتصور، أن يتمثل للمذياع سبعة أو ثمانية من شبابنا الناهض، فيتغنون في تكسر صوت واسترخاء نبرة، مبالغة في المحاكاة والتقليد: «مبروك عليك عريسك الحيلة ... تتهنوا وتتمتعوا الليلة ...» يا ساتر! يا ساتر! يا دافع البلاء! اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا! ... ثم لا يتحرج الفحل منهم أن يزغرد كما تزغرد مساعدات المغنية، وذلك منهم كذلك لإحكام المحاكاة والتقليد!

Shafi da ba'a sani ba