176

أعانك الله يا أخي، وشد بالصبر عزمك، وثبت بالإيمان قلبك.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

إسماعيل1

لقد نفضنا أيدينا من ترابه، ورجعنا عنه منهزمين بين يدي القدر.

وا رحمتاه! أيدري الناس ماذا صنعوا اليوم؟ لقد كفنوا الجمال كله في برد، وأودعوا الأدب أجمعه في لحد، وراحوا من بعده سكارى وما هم بسكارى ولكن الخطب فيه جليل.

إسماعيل! أين ذلك العلم الذي برعت به الأقران، وأين ذلك الفضل الذي أوفيت به على مقدور الزمان، وأين تلك الشمائل، كأنما قدت من الورد والأقاحي، وأين تلك الخلال قد استعيرت من نسيم الصباح؛ وأين هذا العقل والذكاء، أين هذا الأدب والحياء، أين هذا الإخلاص والوفاء، أين هذا البر والسخاء، أين تلك الهمة القعساء، أين تلك العزمة التي أنافت على الجوزاء؛ أين رجاء للأمة بك مرصود، أين أمل للوطن فيك معدود؟ كل هذا كان يستجمه الدهر للموت يا إسماعيل؟

لقد سخت الدنيا بك سخاء

لم يسمع بمثله في سالف الأيام

برزت يا إسماعيل إلى ميدان الحياة فتيا مقداما، لم تنخذل لك فيه ساق، ولم تصطك لك كسائر الناس قدم، بل أبت عليك تلك العزمة الهائلة الجريئة إلا أن تقطع الشوط كله بوثبة واحدة، فبلغت المدى في مثل طرفة العين، وماذا بعد الحياة إلا الموت يا إسماعيل؟

حسب الناس إذ رأوك أن سنة الحياة قد تبدلت في الخلق، وأن النبوغ جميعه يمكن أن يتهيأ للمرء في فجر العمر، وما دروا أن نفسك العبقرية هي التي كانت تطير في العمر حتى تناولت آخره، فمت شيخا وأنت بعد في ميعة الصبا وباكورة الشباب.

Shafi da ba'a sani ba