148

ولقد كان أكثرنا - نحن المصريين - إلى زمن قريب، لا يعنى بهذه الملكة ولا يحتفل لها، بل إن بعضنا قد كان يعد تفقد كثير من مظاهر الجمال ضربا من العبث، بل ضربا من الفتون.

وإن أنس لا أنس أنني من نحو خمس عشرة سنة كنت أساير بعض كبار الأعيان في بعض الرياض؛ فلمح على عذار الطريق وردة كميتة،

15

فسرعان ما أهوى إليها بيده، فغطى رأسها ببعض راحته، وزر أصابعه على أصلها، وما زال يشد عليها حتى فرق شملها، وجعل يحدثني وهو يعرك ورقها بيديه، حتى إذا فراها وبراها ألقى بعظامها على جانب الطريق، ولا والله ما ألقى عليها في أثناء هذا الصيال نظرة واحدة، حتى خيل إلي أن بين الرجل وبين هذه الوردة المسكينة وترا قديما!

وأعرف رجلا من الأغنياء المتعلمين المترفين أيضا، ما خلت داره من سيارة أو اثنتين أو ثلاث لحاجاته وحاجات أولاده، أفتدري كيف يقضي هذا الغني المتعلم المترف كل أوقات فراغه؟

صدقني إذا قلت لك إنه يقضيها في مقهى يحاذيه «موقف» مركبات يسطع في الجو من رجيع خيلها ما يسطع، وهو جاثم على النرد (الطاولة) ما يريم ولا يتحلحل، ولا يمل ولا يضجر، إن علمت قط أنه عدل بسيارته يوما إلى الجزيرة ليمتع الطرف بجمال مناظرها، ويريح

16

الأنف بشذا أزاهرها، أو أنه صعد إلى أصل الأهرام، ليجمع إلى الروعة بفخامة البناء، التمتع بطيب الهواء!

ولست بالضرورة أسوق هذين مثلا لجميع المصريين، وعلى كل حال، فإن نهضتنا الجليلة تناولت فيما تناولت فنون الجمال، فلقد وثبت الأمة لمعاضدتها، وانبعثت الحكومة لمساعدتها، وتظاهرت الهمم من كل جانب على تربية الأذواق وإرهاف المشاعر، فمن تشييد المعاهد للفنون الجميلة على اختلاف ألوانها، إلى إنشاء متاحف جديدة، وزيادة العناية بالمتاحف القديمة، إلى الإكثار من إقامة المعارض لمفتن الصور، وأخرى لمبتدع الزهر، يتبارى فيها المتبارون، ويتسابق إليها المتسابقون، وسيكون لهذا كله أثره في تربية الأذواق، وفي تهذيب الأخلاق، فإن من البطر على فضل الله ألا يقبل الناس على إمتاع النفوس بهذه النعمة العظيمة التي لا تكلف الناس من المال أو الجهد - إن هي كلفتهم - إلا يسيرا!

بنك مصر1

Shafi da ba'a sani ba