قال أيده الله: بحث في الشروط، والمختار في معنى العدالة، والإشارة إلى دليله. الشرط هو اتصال السند الصحيح ، أو إرسال من لا يرسل إلا الصحيح، هذا في غير المتواتر، والمتلقى بالقبول، وقد أوضحت المختار بدليله في الصحة، والعدالة في لوامع الأنوار، وفي فصل الخطاب، وفي الرسالة المسماة ((إيضاح الدلالة))، وأفيد الناظر هنا أني أشترط العدالة المحققة، ولا أعتمد على رواية كافر أو فاسق بتصريح أو تأويل، أما الأول فهو إجماع، وأما الثاني وهو محل النزاع فلنحو قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا}[هود:113]، والركون هو الميل اليسير، كما ثبت في التفسير، وأخذ الدين عنهم من الميل إليهم، ولقوله جل شأنه : {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}[الحجرات:6]، وهذا العموم القرآني يتناول المصرح، والمتأول، ودعوى تخصيصه بالإجماع مردودة، بل لو ادعي العكس في المصدر الأول لما كان بعيدا، فقد نقل رد المخالف نقلا لا يرده إلا جاهل أو متجاهل، والأمر بالتبين يوجب عدم الاعتماد عليه وهو المطلوب، لا القطع بكذبه، فليس بمراد، ولا وجه له، وتكون الأدلة الموجبة للعمل التي أقواها بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للتبليغ بالآحاد، والإجماع لم يثبت في المتأول إذ لم يكن في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، ولا إجماع على غير من ذكرنا، ولا يروعنك كثرة القائلين بالقبول فليست الكثرة دلالة على الحق بل أهله القليل، ولا المجازفة بدعوى الإجماع، وإن صدرت من بعض ذي التحقيق، والاطلاع فالواقع خلاف ذلك المقال، والحق لا يعرف بالرجال، ولا يجب العمل بمجرد الظن على فرض ثبوته ؛ فالظن لا يغني من الحق شيئا، ثم إنه يلزم قبول المصرح إن ظن صدقه والإجماع يرده، ولقد ضاقت بالسيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير المذاهب لما انتقض به عليه، ولجأ إلى دعوى التخصيص، ثم لو فرض جواز العمل بالظن في بعض العمليات التي يتعذر فيها سواه كأروش الجنايات، وقيم المتلفات، فيخصص ذلك ويبقى تحت العموم الدال على المنع ما عداه.
ومن أعجب التهافت أن الكثير لا سيما من يدعون ويدعى لهم أنهم لا يخرجون إلا الصحيح، حتى صار ذلك لقبا لبعض كتبهم، وحتى صار المقلدون من أتباعهم يجرحون ويقدحون فيمن أبدى أي منازعة في حديث، أو راو من رواتهم، كأنها نزلت آية محكمة من كتاب الله تعالى، أو تواترت سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصحة جميع ما أخرجوه، صار هؤلاء يقبلون المصرحين زاعمين أنهم من المتأولين، كالوليد بن عقبة الذي هو سبب نزول الآية: {إن جاءكم فاسق بنبأ} [الحجرات:6]، والسبب مقطوع به فلا يجوز تخصيصه بالإتفاق، وأمثاله كثير، والتمحلات التي يدافع بها البعض لا تنفق في أسواق التحقيق.
Shafi 28