الأوتار ثم أبرينه وهو أجمعها لمحاسن النغَم وأكثرها تصعيدًا وتحدرًا طبقة إلى طبقة ثم ماذرواسبان وهو أثقلها وأشدها تأنيًا وخروجًا من نغمة إلى أخرى. ثم شسم وهو المختلس بالأصابع المثقل ثم القبة وهو المحثوث بالإدراج، المستدير في معاطف ألحانه ثم أسبراس وهو المُدرج الموقوف على نغمه. وكانت الملوك تنام على الغنا ليسري السرور في عروقها. قال الشاعر:
وغناء مُسْمِعَةٍ تعللنا ... حتى ننام تناوم العجم
وقال كسرى: العود أجلّ الملاهي وودت أني افتديت اصلاحه بماية ألف درهم.
وللفرس الونج وعليه سبعة أوتار وإيقاعه يشبه إيقاع الصنج وبه كان غناء أهل خراسان وما والاها.
وكان غناء أهل الري وطبرستان والديلم بالطنابير. وكانت الفرس تقدم الطنبور على كثير من الملاهي.
وكان غناء النبط والجرامقة بالغندورات وإيقاعها يشبه إيقاع الطنابير.
وكان أكبر مغن للفرس أيام كسرى أبرويز بهلبذ وكان مروزيًَّاًً ضاربًا بالعود حاذقًا فايقًا يغني بكالم موزون يركب له الألحان وكان إذا حدث ما يجبن الكُتّاب وأصحاب الأخبار عن أنهايه إلى الملك، أعلموه فغنى فيه وضرب عليه ضربًا يسكن من الغضب. وكان ما غناه من هذا الضرب ومن أصواته المعروفة في المديح وفي التهنية وما أشبه ذلك خمسة وسبعون صوتًا منها صوته.
عسا زيارة قيصر وخاقان كسرى أبرويز
قيصر ماه مانذ وخاقان خرشيد
أي قيصر يشبه القمر وخاقان الشمس
إن من خذاي أدرما نذكا مغاران
أي الذي هو مولاي يشبه الغيم المتمكن
كخاهذ ماه بوشد كخاهذ خرشيد
أي إذا شاء غطا القمر وإذا شاء الشمس وكان له مع غنائه ظرف وأدب فطرب له أبرويز في ليله باردة، فدعا به وعنده سيرين.
فقال له: اشتقت إليك وأحببت أن أقطع بك ليلتي. فشربنا وغنا حتى سكر بهلبذ وخرج ليبول فسقط عند أصل سدرة فنام فقال أبرويز لسيرين: قد أبطا ضيفنا وخرج فرآه نايمًا فطرح عليه جزر سمور كان عليه. فلما كان وجه الصبح قال أبرويز لسيرين: ما ترين حال ضيفنا. قالت: الملك أعلم.
قال: أراه هبّ من نومه فرأى ثوبي عليه فعرفه فأجلّه فنزعه ونزع قباه فبسطه ووضع ثوبي عليه وكفر قائمًا عنده. فقالت سيرين إن كان هكذا فالملك ينظر بنور الله. قال: قومي فقاما فوجداه كذلك فأمر له بمال وأقطعه براز الروز وقطائعًا بالريّ.
ثمّ مرّ أبرويز في طريق فرأى غلامًا فارسيًا يقال له شركاس معه بقرة عليها سماد وهو يغني فأعجبه حسن خلقه. فضمه إلى بَهْلبذ وأمره بتعليمه الغناء. فحذق وفاقه فحسده بهلبذ فقتله. ودعا به أبرويز قال: هو عليل. ثم بلغه خبره فقال لبهلبذ أبي حسد صدرك ونغل جوفك إلا قتله وقد علمت أني كنت أستريح منك إليه ومنه إليك فذهبت بشطر طربي. وأمر بإلقائه تحت الفيلة.
فقال: أيها الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وقتلتني فقتلت أنت الشطر الآخر.
ألاتكون جنايتك على طربك أكثر من جنايتي.
فقال كسرى. ما دله عليّ هذا الكلام إلا ما جعل الله له من المدة وأمر بتخليته. وبقي بهلبذ بعد كسرى دهرًا.
وللروم من الملاهي الأرغن وعليه ستة عشر وترًا وله صوت بعيد المذهب وهو من صنعة اليونان والسلياني وله أربعة وعشرون وترًا وتفسيره ألف صوت. ولهم اللورا وهي الرباب وهو من خشب وله خمسة أوتار ولهم القيثارة ولها اثنا عشر وترًا ولهم الصلنج من جلود العجاجيل وكل هذه معازف مختلفة الصنعة.
وللهند الكركله وهي وتر واحد يمدّ على قرعةٍ فيقوم مقام العود والصنج. وكان الحداء في العرب قبل الغناء.
روي أن مضر بن نزار خرج في مال له فوجد غلامه قد تفرقت عنه الإبل فشد عليه فضربه على يده بعصًا فعدا الغلام وهو يصيح وايداه وايداه. فسمعت الإبل صوته فتعطَّفت عليه، فقال مُضر لو اشتق من الكلام مثل هذا لكان يشا تجتمع عليه الإبل.
1 / 2