Mukhayyalat Khandaris
مخيلة الخندريس: ومن الذي يخاف عثمان بشري؟
Nau'ikan
حكت لي والدتي قصة غريبة وقعت بين قاض وشرطيين ومقطرة أثينول بلدي؛ حيث قبض على امرأة ذات حملة شرطية ضد المشروب الأكثر جماهيرية لدى الندماء في السودان، وجد عندها الشرطيون النبهاء الأتقياء الناهون عن مثل هذه المنكرات والآمرون بالمعروف، زجاجتين من العرق السيكو؛ أي الأثينول النقي. قدمت للمحكمة، معها المعروض من الخندريس. كانت الفدادية من الذكاء بحيث إنها تبينت أن لون العرق المعروض أمام القاضي مختلف عما هو في الواقع، وظنت أن ما يعرض الآن أمامها ليس هو العرق السيكو الذي أنتجته بيدها الماهرتين وبخبرة عشرين عاما، وقبل أن ينطق القاضي المتعجل بالحكم قالت له: ممكن كلمة يا مولانا؟
قال لها من خلف نظارته السميكة، وقد ترك العبث بالقلم في الأوراق الداكنة اللون: تفضلي يا ميمونة، إذا كان عندك كلام، قوليه. قالت له وهي تشير إلى قارورتي العرق اللتين تقبعان في ركن قصي من المحكمة: العرقي ده ما حقي.
فانتهرها الشرطي الشاهد ومحرر البلاغ بأن هنالك خمسة شهود آخرين سوف يحلفون قسما على المصحف: ورقة ورقة وآية آية، على أن هذا العرق قد تم ضبطه في بيتها وبحضورهم شخصيا وحضورها هي ... شهاداتهم مسجلة، قرأها القاضي. قالت له بعدما انتهى من تلاواته: أنا اسمي ميمونة سكوسكو يا مولانا! وخوفا على سمعتي يا مولانا واسمي؛ ما بعمل عرقي زي ده بدون مؤاخذة يا مولانا.
مشيرة إلى القارورتين الحزينتين القابعتين في ركن قصي من المحكمة تنتظران تنفيذ الحكم الرادع عليهما وعلى سيدتهما.
قال لها مولانا بحكمة، وهو يعطيها انتباه عدالته كله: ما فاهم، ممكن تشرحي أكتر؟
قالت له، وهي ترمي ساعديها المثقلين بالذهب الفالصو في الهواء. فيصدران شخشخة خشنة مثل كشيش جرس صدئ: العرقي الأنا بعمله يا مولانا. إذا كشحته ما بيصل الواطا بيتبخر في الهواء قبل ما يصل الأرض، وإذا أشعلت فيه قشة كبريت يولع زي السبيرتو والعالم كله عارف الكلام ده، وجربه يا مولانا. أنا العرقي بتاعي يا مولانا يولع الرتينة.
وأمر القاضي الشرطي باختبار العرق، لم يتبخر لم يشتعل، لم تكن به رائحة العرق المتميزة، بل كان ماء نقيا طهورا حلالا، صالحا للشرب الإنساني، لا مذاق، لا لون، لا رائحة، لدرجة أن القاضي بلع منه بقة كبيرة استقرت في معدة جلالته بكل سلام وبركة، فقام حضرته بشطب البلاغ ضدها على الفور، وطالب بتحرير آخر في حق الشرطيين اللذين قبضا عليها، بتهمة تزييف الأدلة، وهو يقصد بينه وبين نفسه: تهمة شرب العرق، وهي تهمة يصعب على الادعاء إثباتها ويستحيل على المتهمين الشرطيين نفيها!
الفقيه المتشرد
أمي تحبني أو هذا هو خيارها الوحيد، فليس لدي إخوة أصغر أو أكبر يقاسمونني حبها، كنا أنا وهي فقط في هذه الحياة. أنا أيضا أحبها، هذا لا يمنع الشجار اليومي الذي يجري بيننا واختلاف وجهات النظر في أشياء جوهرية ومهمة. مشكلة أمي لا تتحمل السرعة التي أغير بها رأيي في القرارات التي قد أكون اتخذتها بكامل وعيي وإرادتي. والشيء الآخر هو أن أمي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة تخصني بل الأشياء التي تخصني وحدي، كتصفيف شعري أو فرده، تعاملني كطفلة غير راشدة، هذا هو السبب المباشر الذي يوتر العلاقة بيننا . قد كنت أصر على أن يبقى بقا الليلة في البيت، أن يبيت بالديوان، وجهة نظرها ألا يبقى رجل مع سيدتين لا تربطه بهما وشائج شرعية: يقولوا الناس علينا شنو؟ - أنا يا أمي لا أهتم بما يقول الناس.
ترد مستخدمة طريقتي نفسها، مع التأكيد على كلمتي أهتم والناس، ربما نطقتهما مستخدمة أسنانها: لكني يا سلوى، أنا أهتم بما يقول الناس.
Shafi da ba'a sani ba