39 - وفيما أخبر به الهيثم بن عدي قال:
((كان عدي بن زيد قد تقدم عند كسرى أبرويز في ترجمة العربي إلى الفارسي، وكان رجلا جارا للنعمان بن المنذر، فرام منه النعمان أن يكون عينا له على كسرى، فامتنع من ذلك، ولم يرض بهذه السجية. فتركه النعمان حتى اطمأن إليه، ثم سأله أن يزوره. فكلم كسرى، وسأله أن يأذن له في زيارته شهرا واحدا، ونصب عدي ابنه مكانه -وكان حلو الشاهد مضطلعا بما يسند إليه-، فأذن له. فلما حصل في يد النعمان قتله، وكتب إلى ابنه يخبره بأنه مات حتف أنفه، وأنه على غاية من الأسى عليه. وتأدى خبر عدي إلى ابنه على الصحة، فلم يخرق فيه، وأقام يتتبع غوائله، ويعمل الحيلة في افتراص وتره.
فجرى في يوم من الأيام ذكر الجواري بين كسرى وبين ابن عدي -وكان أبرويز مستهترا بهن-، فقال ابن عدي: ((أحسن النساء حرقة بنت النعمان)). فكتب أبرويز إلى النعمان كتابا يأمره فيه بحمل حرقة ابنته إليه. فعظم هذا على النعمان، وكتب إليه كتابا يذكر فيه قشف تربية العرب لأولادها، وتقصيرهم ببذاذة الهيئة ووسخ المهنة، وأن في عين العراق للملك عوضا منهن؛ وأنفذ الكتاب إلى كسرى. فأمر كسرى ابن عدي أن يقرأه عليه، فأمره على طرفه ثم ألقاه، وضرب بيده على جبينه، وقال: ((لا يستطيع لساني مواجهة الملك بما فيه!))، فعزم عليه الملك ليخبرنه. فقال: ((ابنتي لا تصلح لك، فإذا قرمت إلى الجماع فعليك بالبقر)). فغضب كسرى، وأنفذ رسلا إليه فأشخص. فلما قرب من مقر كسرى، أخرج أربعة آلاف جارية بالحلي وفاخر الكسوة، وأذن له، ثم قال له بالفارسية: ((يا كلب! من كان له هؤلاء يصلح له مجامعة البقر!))، وأمر بشد يديه ورجليه، وألقاه في الأرض، وأطلق الفيلة عليه فوطئته، حتى مات تحت قوائمها)).
Shafi 64