Takaitaccen Tarihin Dumyat
مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
Nau'ikan
وأخبار الفتح العربي لمصر تروي أن دمياط كان يحيط بها سور، فلعله أنشئ في عهد الرومان. وأخبار هذه الغارة تروي أيضا أن أبا جعفر بن الأكشف سجن في بعض أبرجة المدينة، فالمدينة إذن كان لها سور قديم، وكان بها بعض الأبرجة والحصون، ولكن نجاح هذه الغارة يبين أن هذه التحصينات جميعا كانت قد تهدمت وتشعث بنيانها؛ لهذا لم يكن من الغريب أن يأخذ الذعر من الخليفة العباسي المتوكل مأخذه عندما تصله أخبار هذه الغارة الخطرة؛ فيرسل في الحال إلى واليه على مصر يأمره ببناء أسوار قوية تحيط بثغور مصر الشرقية: دمياط وتنيس والفرما. وأسرع عنبسة بتنفيذ أوامر الخليفة؛ فبدأ في بناء سور دمياط وحصونها يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 239ه (5 فبراير 854م)، وفي نفس السنة بنيت أسوار تنيس والفرما وحصونهما.
وكان لهذه الغارة أثر خطير آخر؛ فقد أدرك الخليفة أيضا أن هذه الأسوار والحصون لا تكفي للدفاع عن ثغور تطل على البحر، وإنما الدفاع الحق عنها يكون بإنشاء الأساطيل؛ لأن الروم لا يفدون إليها إلا في البحر وفي أساطيل قوية، فأمر واليه أن يعنى بشئون الأساطيل. يقول المؤرخ المصري الكبير تقي الدين المقريزي تعقيبا على أخبار هذه الغارة: «وأنشأ من حينئذ الأسطول بمصر.» ويقول في مكان آخر: «فوقع الاهتمام من ذلك الوقت بأمر الأسطول، وجعلت الأرزاق لغزاة البحر كما هي لغزاة البر، وانتدب الأمراء له الرماة، فاجتهد الناس بمصر في تعليم أولادهم الرماية.» فالفضل في إنشاء أساطيل مصرية - سيكون لها شأن أي شأن في الدفاع عن سواحل مصر بعد ذلك، وفي حروب مصر الإسلامية - إنما يرجع إلى هذه الغارة.
ونحن نلاحظ أن العناية بتحصين دمياط برا وبحرا في عهد المتوكل قد آتت ثمارها، فلم تفد على دمياط غارة بعد ذلك قوية خطيرة كتلك التي وفدت في عهد عنبسة، وإنما كانت الغارات اللاحقة جميعا غارات قرصنة هدفها الأول والأخير النهب والسلب، والأسر والقتل، أما دمياط فبقيت سليمة ترد عادية المعتدين بفضل جندها وأهليها وحصونها وأساطيلها. (3) دمياط في العصر الفاطمي
وقد ازدهرت دمياط في العصر الفاطمي، وبدأت تتفوق على رصيفتيها تنيس والفرما، وتأخذ مكان الصدارة بين موانئ مصر الشرقية، وساعدها على هذا أن الفرع البلوزي أخذ منذ ذلك الحين يضيق وتطمره الرمال ويفقد أهميته شيئا فشيئا، بينما أخذ فرع دمياط يتسع وينطلق إلى البحر وتزيد أهميته ويكثر استعماله.
ولعل أكبر الدوافع التي دفعت الفاطميين للعناية بثغر دمياط أنه كان مركزا هاما لصناعة النسيج، وتحيط به وتتبعه مدن وقرى كثيرة كلها مراكز لصناعة النسيج أيضا؛ فقد كانت مصر تنقسم إداريا وقتذاك إلى كور (وواحدتها كورة)، وهي ما يقابل المديرية أو المحافظة في مصطلحنا الحديث. وكان الجزء الشمالي الشرقي من مصر يكون كورة كبيرة واحدة تسمى «كورة تنيس ودمياط»، وللكورة - كما يتبين من اسمها - مركزان هامان، هما: تنيس ودمياط، لا تفضل إحداهما الأخرى، وإنما كانتا تتناوبان في احتلال الصدارة بين مدن هذه الكورة، إلى أن ضعف شأن تنيس وتلاشت في العصر الأيوبي؛ فأصبحت دمياط هي المدينة الأولى بين مدن هذه الكورة.
وكان يتبع دمياط مدن وقرى كثيرة لها ذكر ومقام ملحوظ في أقوال المؤرخين؛ لأنها كانت جميعا مراكز هامة - كما ذكرنا - لصناعة النسيج، وأهم هذه المدن: شطا وتنيس وتونة وبورة ودبيق.
وكان يلي دمياط وتنيس دائما واليان من قبل والي مصر العام، ثم من قبل الخلفاء الفاطميين بعد ذلك، كما كان يشرف على القضاء في مصر كلها قاض أكبر، وهو الذي لقب في أول العصر الفاطمي بقاضي القضاة، وكان هذا القاضي الأكبر - أو قاضي القضاة - يعين من قبله قضاة ينوبون عنه في الحكم بالمدن الكبيرة كدمياط وتنيس، وكان هذا القاضي يتخذ مقره في تنيس أحيانا وينيب عنه بدوره من يتولى عنه الحكم في دمياط، وقد يحدث العكس، أو قد يتولى الحكم بنفسه في المدينتين متنقلا بينهما.
ويستفاد من كلام الكندي وهو يؤرخ لبعض قضاة دمياط أن قاضي هذه المدينة في العصر الفاطمي كان يمكث بها تسعة أشهر للنظر في القضايا والأحكام، ثم يعود إلى الفسطاط فيقيم بها «ثلاثة أشهر: رجب وشعبان ورمضان ... بحسب العادة.»
وكان في كل من دمياط وتنيس في العصر الفاطمي محتسب خاص - يعين من قبل محتسب القاهرة - للإشراف على شئون المدينتين الاجتماعية والاقتصادية.
والدولة الفاطمية نشأت أول ما نشأت في تونس، وكانت تسمى وقتذاك إفريقية، وهي إقليم يطل على البحر الأبيض المتوسط؛ ولهذا عني الفاطميون - وهم لا يزالون في إفريقية - عناية فائقة بالأسطول، فأنشئوا السفن الكثيرة وزودوها بالرجال والعتاد، وقد أسهمت أساطيلهم مساهمة فعالة في غاراتهم المتتالية على مصر حتى تم لهم فتحها في سنة 358ه.
Shafi da ba'a sani ba