اعلم وفقنا الله وإياك أن النصارى الذين عقد لهم المسلمون الذمة، وأخذوا منهم الجزية يخالفوننا في ضربين: أحدهم أنهم جحدوا نبوءة نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_، وقد مضى الكلام في تثبيت نبوته _صلى الله عليه وسلم_، والحجة في ذلك بالذي يغني عن تكراره على النصارى في هذا الموضع، والوجه الآخر أنهم قالوا في أمر معبودهم، وفي المسيح بما لا يجوز القول به، وهم في ذلك على ثلاث فرق: الملكنية (¬1) ، واليعقوبية، والنسطورية، فهذه الفرق المختلفة تتفق في أمر معبودها في موضعين: أحدهم في الأمر الذي أثبتوه في القدم؛ وذلك أنهم جميعا مقرون بأن ثلاثة أقانيم لم تزل: أب، وابن، وروح القدس، لا يختلفون في ذلك، ثم اختلفوا في غيره، فتقول اليعقوبية والنسطورية: إنها ثلاثة أقانيم لم يزل جوهرها واحدا، وليس الجوهر معنى غيرها، وتقول الملكنية: بل هو ثلاثة أقانيم لم تزل ذات جوهر واحد، ويزعمون أن الجوهر هو معنى غير الأقانيم، ولا يعدونه رابعا معها.
¬__________
(¬1) الملكانية: طائفة مسيحية من الطقس البيزنطي منتشرة في سورية ومصر وفلسطين، ومنها جالية هامة في أمريكا، وكنيستهم تسمى أيضا كنيسة الروم ، ويتكلم معظمهم العربية، ويرأسهم بطريرك يقيم في دمشق والقاهرة، سموا الملكيين لأنهم أيدوا القرار الذي اتخذه مجمع خلقدونية عام 451م ضد بدعة "أوطيخا" المونوفيزية القائلة بطبيعة واحدة للمسيح، فلقبهم مخالفوهم ازدراء لهم بالملكيين لوقوفهم في صف "مرقيانوس" الذي كان يعاضد المجمع، ومنهم كاثوليك يعترفون برياسة بابا روما، ويسمون الروم الكاثوليك. راجع الموسوعة العربية الميسرة ص 1742، وكتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل 1: 110111، والملل والنحل للشهرستاني 1: 222.
Shafi 105