وقال إسترابون (ك16): إنه لم يبق حينئذ في صور وصيدا فونيقيون يضربون في الآفاق للتجارة، بل كان كثيرون من أصحاب علم الهيئة والرياضيات، ومن الخطباء والفلاسفة، وأنه نشأ في صيدا في أيامه كثير من الفلاسفة منهم يواتيوس تلميذه وديودت أبوه، ونشأ بصور إنتباتر وقبله أبولون الذي نظم جدول الفلاسفة الزينونيين.
الفصل الثاني
في تاريخ سورية الديني في القرن الأول
(1) في الرب المخلص له المجد
هو ابن الله الأزلي الذي اتخذ جسدا من مريم العذراء دون مباشرة رجل، وصار إنسانا معلما الحق وطريق الخلاص، ومات عن الناس مكفرا عن آثامهم وصعد بالجسد إلى السماء فاتحا لهم بابها الذي كان مغلقا لمعاصيهم، وقد ذكر نسبه بالجسد متى الإنجيلي نازلا من إبراهيم إلى يوسف رجل مريم، وذكره لوقا صاعدا من يوسف إلى آدم، وقد ذكرنا سنة ميلاده في عدد 69 وأبنا ما فيها من الخلاف، وكذلك اختلف في سنة ابتدائه بالتبشير وموته، فذهب بعض العلماء أنه بدأ في كرازته في آخر سنة 25 من التاريخ العامي، ومات سنة 29 بناء أنه ولد قبل التاريخ العامي بأربع سنين، وبناء على التقليد أنه عاش ثلاثا وثلاثين سنة، ولكن ذهب الأكثرون ومذهبهم الأظهر هو أنه أخذ يبشر سنة 29 ومات سنة 33 من التاريخ العامي، وهذا يقضي عليهم أن يقولوا: إنه مات وعمره ست وثلاثون أو ثمان وثلاثون سنة ... وبعض أشهر متابعة لقولهم: إنه ولد سنة 749 أو سنة 747 لرومة أعني قبل التاريخ العامي بأربع أو ست سنين، وممن قالوا بهذا المذهب نطاليس إسكندر (في تاريخ القرن الأول مقالة 2)، ومما أيده به برهانان: الأول أنه جاء في التاريخ الإسكندري أن المؤلفين الوثنيين خصوا السنة 19 لطيباريوس بذكرهم أنه حدث بها كسوف خارق العادة لم يحدث مثله قبلا، فكان الظلام في الساعة السادسة من النهار شديدا حتى ظهرت الكواكب، وكان زلزال قوي في جهة بيتنيا، ولما كان السنة 19 لطيباريوس توافق السنة 33 للتاريخ العامي كانت النتيجة صريحة بأن المخلص مات سنة 33، وفي بدء السابعة والثلاثين من عمره ... وهذا مطابق لقول لوقا: إن المسيح بدأ في كرازته في السنة 15 لطيباريوس.
والثاني أن الإنجيليين صرحوا بأن المخلص مات في الخامس عشر من بدر نيسان يوم الجمعة، والحال أنه من جميع السنين الواقع الخلاف في أيها مات المسيح؟ أي: من سنة 31 إلى سنة 35 للتاريخ العامي لا توجد سنة كانت فيها الرابع عشر من نيسان يوم الخميس والخامس عشر يوم الجمعة، إلا سنة 33 من هذا التاريخ، إذ كان فيها الرابع عشر أي: الفصح يوم الخميس واكتمال بدرها يوم الجمعة في 15 منه، فتعين أن تكون هي التي مات المسيح فيها، وهي السابعة والثلاثون أو التاسعة والثلاثون من عمره وميلاده.
وقد أثبتنا في تاريخنا أن المخلص تكلم وبشر بلغة اليهود حينئذ، وهي اللغة السريانية التي كانت لغتهم بعد السبي البابلي وسميت عبرانية نسبة إليهم، ومن شاء الإسهاب في ذلك فليطالع عدد 498 في المجلد الثالث من تاريخنا صفحة 398 إلى صفحة 408. (2) في العذراء مريم عليها السلام
هي بنت يواكيم وحنة من سبط يهوذا، ومن نسل داود، فهي بالنسبة إلى حنة أمها بنت ناتان إلى سليمان بن داود، وبالنسبة إلى أبيها يواكيم المسمى هالي أيضا، هي بنت هالي بنت مطات إلى ناتان بن داود، وحبل بها ببشارة الملك وعصمها الله من لحاق الخطية الأصلية فولدت بريئة من دنسها، وجعل البابا بيوس التاسع هذه العقيدة من عقائد الإيمان سنة 1853، وقد نذرت عفتها متبتلة إلى الله، واستمرت بتولا قبل الميلاد وفي حينه وبعده، وقد دعتها الأسفار المقدسة تارة خطيبة وتارة زوجة ليوسف، وقال عامة المفسرين: إنها كانت زوجة له، وقال بعض الحدثاء: إنها كانت مخطوبة ولم يعقد زواج بينهما إلا بعد أن قال الملك ليوسف: لا تخف من أن تأخذ مريم خطيبتك، وعلى كل الأقوال أن يوسف كان زوجها؛ ليكون حارسا بتوليتها إلا ليعيش معها كرجل مع امرأته، ولم يعرفها حتى ولا بعد أن ولدت ابنها البكر والوحيد، ومن سماهم الكتاب إخوته إنما هم أنسباؤه الأدنون أبناء حلفي أخي يوسف، وكانت مريم ملازمة يسوع إلى أن ظهر للتبشير وصحبته في بعض أسفاره لذلك كحضورها بعرس قانا ورافقته إلى الجلجلة، ووقفت حذا صليبه بشجاعة سامية، وظهر لها بعد قيامته قبل أنصاره، وكانت مع الرسل حين صعوده، وحين انتظارهم حلول الروح القدس عليهم، وأقامت بعد ذلك في بيت يوحنا الإنجيلي، وقد فاضت روحها القدوسة على الراجح نحو سنة 52 ... قال القديس يوحنا الدمشقي (في خطبة 2 في رقاد العذراء): إن الرسل لدن موت العذراء كانوا متفرقين في الآفاق، فأتوا بمعجزة إلى أورشليم، وبعد أن فاضت روحها دفنوا جسمها المبارك في الجسمانية، وأبطأ توما ولما حضر أحب أن يتبارك بجسمها الطاهر ففتحوا المدفن فلم يجدوه، فتيقنوا أن الله أقامها، ولكن قال القديس إبيفان (في بدعة 78): إنه لا يستطيع أن يقول: إنها ماتت أو استمرت غير ميتة وأنها دفنت أو لم تدفن، وأنه لا يمتري في أنها إذا كانت ماتت، فموتها كان سعادة، ورفع بعض الأساقفة في المجمع الفاتيكاني عريضة لبيوس التاسع؛ ليجعل انتقال العذراء من عقائد الإيمان، وفي المجمع الإفسسي رسالة يتبين منها أن بعض الناس في القرن الخامس كانوا يعتقدون أن العذراء ماتت ودفنت في إفسس، وكذلك في رؤيا للعابدة كاترينا أماريك، لكننا نرى من كتبوا في القرن الخامس نفسه ينصون على أنها توفيت في أورشليم، ودفنت بالجسمانية، والله أعلم. (3) في الرسل
الأول:
هو بطرس بن يونا وأخو أندراوس الرسول: ولد ببيت صيدا وكان اسمه أولا سمعان، فسماه المخلص عند دعوته كيفا، وهي كلمة سريانية معناها الصخرة أو الصفاء، وأعزه وقدمه على جميع الرسل، وجعله رئيسا لهم وللكنيسة جمعاء وكصخرة لا تقوى عليها أبواب الجحيم، وسلمه مقاليد ملكوت السماء حتى كل ما حله في الأرض يكون محلولا في السماء، وكل ما ربطه في الأرض يكون مربوطا في السماء، وسلمه بعد موته رعاية خرافه ونعاجه ليرعاها، وصلى من أجله لئلا ينقص إيمانه وأمره أن يثبت إخوته، وبعد صعود المخلص إلى السماء أخذ بتدبير الكنيسة، ونصر عند حلول الروح القدس عليه وعلى التلاميذ نحو ثلاثة آلاف نفس، وبعد أيام خمسة آلاف نفس، وطاف مبشرا وأقام كرسي رياسته أولا في أنطاكية في سنة 35 أو سنة 36 إلى سنة 42، ثم ترك أنطاكية مستخلفا فيها أوديوس ومضى إلى رومة يقيم كرسيه في عاصمة المملكة، كما تقتضي رسالته العامة، وعاد إلى أورشليم سنة 44، فسجنه أغريبا ونجاه ملك الرب من السجن بكسره السلاسل التي كان مقيدا فيها، وكتب رسالته الأولى العامة من رومة سنة 50، وسنة 51 طرده كلود من رومة، فأتى إلى أورشليم فعقد مجمع الرسل بأورشليم ثم عاد إلى رومة سنة 65 بعد تطوافه للتبشير، وكتب رسالته الثانية إلى المؤمنين الذين تنصروا على يده، وأسقط سيمون الساحر من الجو فاستاء منه الوثنيون، ووشوا به إلى نيرون الملك فسجنه ثم علقه على الصليب منكسا في 29 حزيران سنة 67م.
Shafi da ba'a sani ba