ومن فظائع أنطيوكس أمره بقتل إلعازر؛ لأنه لم يأكل لحم الخنزير المحظور أكله بالسنة، ثم قتله الإخوة السبعة، وأمهم المسماة شموني لذلك وقد وردت قصة استشهادهم في سفر المكابيين الثاني (فصل 7)، ويسمى هؤلاء الشهداء مكابين، وفي هذه التسمية خلاف بين العلماء، والأظهر فيها أنها مأخوذة من أربعة حروف م ك ب ي ... تبتدئ بها بالعبرانية أربع كلمات تأويلها «من مثل الرب بين الآلهة.» كانوا يرسمون هذه الحروف على أعلامهم.
وجاء في سفر المكابيين الثاني (فصل 8 عدد 1 وما يليه) أن يهوذا المكابي، ومن معه كانوا يتسللون إلى القرى، ويضمون إليهم من ثبتوا على دين اليهود حتى جمعوا ستة آلاف رجل، وجعلوا يفاجئون المدن والقرى، وينكلون بالمارقين فحشد أبولونيوس والي السامرة من قبل أنطيوكس جيشا، وأتى إليهم فخرج يهوذا المكابي فقتله وخلقا كثيرا من جيشه، وسمع شارون قائد جيش سورية، فأراد أن يأخذ بثأر أبولونيوس، فجهز جيشا على يهوذا فخرج عليه بعدد يسير، ومع ذلك نصره الله على شارون وقتل من جنده ثمانمائة رجل وهزم الباقين.
ولما بلغت أخبار هذه الأحداث إلى أنطيوكس استشاط غضبا، وجمع جيشه عازما أن يبيد اليهود عن آخرهم، لكنه لم يجد في خزائنه مالا لنفقات الحرب، فأمر ليسياس على فريق من الجيوش، وعهد إليه بتدبير المملكة من الفرات إلى مصر، وسار هو بفريق من الجنود إلى ما وراء الفرات ليجبي الأموال، ودعا ليسياس بطليماوس ونكاتور وجرجياس من قادة الجيش، وسيرهم بأربعين ألف راجل وسبعة آلاف فارس؛ لينتقموا من اليهود، فبلغ الجيش إلى عماوس فابتهل يهوذا والشعب إلى الله بالصوم والصلاة، وأقبل يهوذا وعسكره على عسكر الملك، واندفعوا عليهم فهزموهم وقتلوا منهم ثلاثة آلاف رجل، وكان جرجياس انفرد بقسم من الجنود ويريد مباغتة يهوذا، فعاد يهوذا إليه وبدد شمله وقتل منهم كثيرين، وعلم يهوذا أن تيموتاوس وبكسيديس عاملي الملك يحشدان جنودا لقتاله، فانقض عليهما بعسكره، فقتل عشرين ألفا من جنودهما (مكا 2 ف8).
ووفد بعض الجنود الفارين إلى ليسياس، وأخبروه بما جرى فجمع سنة 164ق.م ستين ألف راجل وخمسة آلاف فارس، وبلغوا إلى قرب أورشليم، فالتقاهم يهوذا بعشرة آلاف فقتل من عسكر ليسياس خمسة آلاف رجل، وانهزم الباقون، وعاد ليسياس إلى أنطاكية كئيبا واغتنم يهوذا هذه الفرصة، فطهر أورشليم والهيكل من نجاسة الأمم، وقدموا ذبائح الشكر لله، ثم ضرب يهوذا الأدوميين؛ لأنهم كانوا يضايقون بني إسرائيل فظهر عليهم وأخذ الغنائم من بلادهم، وكذلك ضرب العمونيين وكان تيموتاوس واليهم جمع عسكرا منهم، فبددهم يهوذا وعاد إلى أورشليم ... فورد إليه رسل من السلط يقولون: إن الأمم اجتمعوا على اليهود وضايقوهم، ورسل من الجليل يخبرون أن الأمم خرجوا عليهم من عكا وصور وصيدا ونكلوا بهم، فسار يهوذا وأخوه يوناتان إلى السلط وسير أخاه سمعان إلى الجليل، فانتصر الفريقان على الأعداء ونكلوا بهم وكبتوهم، وعظم اسم يهوذا وإخوته في عيني بني إسرائيل والأمم (مكابيين 1 ف3 و4 و5 ومكابيين 2 فصل 8).
أما أنطيوكس فلما كان يجول في شمالي مملكته سمع بذكر المايس مدينة بفارس، وأن فيها هيكلا حوى كثيرا من الأموال وسجوف الذهب والأسلحة، فأتى إليها وحاول أن ينهب الهيكل، فثار عليه أهلها وقاتلوه فهرب إلى بابل، فأتاه مخبر أن جنوده بددها اليهود وأن ليسياس انهزم من أمامهم، فقال: «لآتين أورشليم وأجعلها مدفنا لليهود.» فضربه الله بداء في أحشائه، وأمر سائق عجلته أن يجد في السير فسقط من مركبته، فترضض ونتن جسده وتساقط لحمه، ونزل عن كبريائه وخشع إلى الله واعدا بأن يجعل أورشليم مدينة حرة، ويساوي اليهود بأهل أثينا، فلم يسمع الله له وقضى عليه سنة 163ق.م (مكا 1 ف6 فصل 9). (11) في أنطيوكس الخامس وما كان في أيامه
هو ابن أنطيوكس إبيفان، رقي بعد وفاة أبيه إلى منصة الملك، ولقب أوباتر أي: الشريف أبا، وكان أبوه لدى احتضاره نصب فيلبوس أحد قادة جيشه مدبرا للملك، ووصيا على ابنه الملك الصغير، فعدل ليسياس عن مشاحنة اليهود إلى تمكين منصبه في تدبير الملك، ووقاية الملك الصغير من منازعة ديمتريوس ابن عمه له فيه، فأمن اليهود وأباحهم مباشرة فروض دينهم وشريعتهم، وأرسل إليهم رسالة من الملك بذلك ، وبقيت بقلبه حزازات من يهوذا المكابي لكسره جنوده، وإلحاق العار به فاستراح اليهود، ويظهر أن ضرب يهوذا العشائر المار ذكرها كان بهذه الفرصة ... وكان فيها أيضا ما جاء ذكره في الفصل الثاني عشر من سفر المكابيين الثاني، ومن ذلك أن أهل يافا دعوا اليهود مواطنيهم أن يركبوا هم ونساؤهم وأولادهم سفنا أعدوها لهم، ووثق اليهود بهم إذ لم تكن عداوة بين الفريقين، ولما أمعنوا في البحر أغرقوهم، فسار يهوذا المكابي ليلا إلى يافا فضربها وفر كثيرون من أهلها إلى السفن فأحرقها وهم فيها، وكذلك فعل بأهل يمنا (يبنة الآن بين يافا وأشدود)، وسار يهوذا ينوي الإيقاع بتيموتاوس عامل الملك؛ لأنه كان علة لهذه الشرور، فضربه في عبر الأردن، وأهلك من جيشه خلقا كثيرا وافتتح عدة مدن في عبر الأردن.
وكان في قلعة أورشليم حامية من قبل الملك، وكانوا يمنعون بني إسرائيل من الدخول إلى الهيكل، ويتعمدون الإضرار بهم في كل فرصة، فحشد يهوذا الشعب وحاصروا الحامية، فخرج بعضهم من القلعة وانضم إليهم بعض المارقين من اليهود، ومضوا يشكون اليهود، فسر ليسياس بهذه الشكوى ليثأر من يهوذا المكابي، وحمل الملك على حشد جيش نحو مائة ألف راجل وعشرين ألف فارس واثنين وثلاثين فيلا وعلى المسير إلى اليهود، فحاصر بيت صور في جنوبي أورشليم فجمع يهوذا المكابي رجالا فاستظهروا على الأعداء أولا وقتلوا منهم جماعة، ولكن رأى يهوذا كثرة جيش الملك فتنحى هناك فحاصر الملك أورشليم أياما إلى أن نفد الزاد، فتفرق أهلها، وكان بالعناية الربانية أن فيلبوس الذي كان أنطيوكس إبيفان قد أقامه مدبرا لابنه، وهزمه ليسياس إلى مصر اغتنم فرصة غياب الملك وليسياس فهب إلى أنطاكية وتبوأ تخت الملك، فأكره الملك على عقد الصلح مع اليهود، وتركهم وما يدينون وصافى المكابي ونصبه حاكما من عكا إلى آخر بلاد اليهود، وأسرع الملك بالعود إلى أنطاكية، فافتتحها وطرد فيلبوس منها وروى يوسيفوس أنه قتله (مكا 1 فصل 6 ومكا 2 فصل 13).
قد مر أن ديمتريوس بن سلوقس الرابع كان أبوه قد أرسله إلى رومة؛ ليكون رهينة بدلا من عمه أنطيوكس ابن أنطيوكس الكبير، وكان له حق الملك لأن سلوقس أباه كان بكر أنطيوكس الكبير، ولما علم أنطيوكس إبيفان طلب من الديوان الروماني إجلاسه على تخت أبيه، فأبوا مؤثرين أن يملك أنطيوكس الخامس وهو صغير ضعيف على أن يملك ديمتريوس وهو شديد البأس، وطلب العود إلى وطنه فأنكروه عليه، فانسل من رومة خفية فسافر مسرعا، وبلغ إلى طرابلس، وشاع أن الرومانيين أرسلوه ليجلس على تخت أبيه، ويسترد ملكه وأنهم مصممون على معاونته، فحل الرعب في قلبي أنطيوكس الخامس وليسياس مدبره وارفض الجمهور عنهما، وانحازوا إلى ديمتريوس، وقبض بعض جنود أنطيوكس على مولاهم ومدبره، وأتوا بهما إلى ديمتريوس فقال: «لا تروني وجههما.» فقتلوهما واستوى ديمتريوس على منصة الملك سنة 162 (يوليب فصل 114 وأبيان في السوريين وسفر المكابيين 6 ف7). (12) في ديمتريوس الملك وحربه مع يهوذا المكابي
لقب ديمتريوس بعد استوائه على العرش سوتر أي: المخلص، وكان ليسياس أشرب أنطيوكس الخامس المقت لمنلاوس المار ذكره فقتله، وأقام مكانه في رياسة أحبار اليهود رجلا كان اسمه يواقيم، فبدله بالكيمس ليكون شبيها بأسماء اليونان، فلما ارتقى ديمتريوس إلى منصة الملك أتى الكيمس وبعض المارقين من اليهود يسعون بيهوذا المكابي وإخوته، ومن يضادهم من الشعب، فأرسل الملك بكيديس بجيش كثيف إلى اليهودية، فأتى إليه بعض مقدمي الشعب يطلبون الأمان، فقبلهم بالترحاب خدعة وحلف لهم أنه لا يريد بهم سوءا، ثم قبض على ستين رجلا وقتلهم بيوم واحد، وذبح غيرهم وسلم البلاد إلى الكيمس، وقفل راجعا وانضم إلى الكيمس بعض الأشرار، فأنزلوا بإخوتهم الصالحين مضار، فلم يتحمل يهوذا فظائعهم وهب إليهم يردعهم عنها، فعاد الكيمس إلى الملك يشكو يهوذا بمعارضة أوامره، فأرسل الملك نيكانور أحد قادة جيشه ومعه عسكر جرار لإبادة اليهود، فتودد نيكانور إلى يهوذا خدعة، فشكاه الكيمس بأنه ممالئ له، فشدد الملك على نيكانور بأن يضرب يهوذا فخرج إليه بجيش والتقيا عند كفر سلامة، فقتل من عسكر نيكانور خمسة آلاف رجل، وفر الباقون إلى مدينة داود، وأتى نيكانور نحو الهيكل فخرج الكهنة وبعض الشيوخ يستعطفونه، فأقسم أنه يحرق الهيكل إذا لم يسلموا إليه يهوذا ورجاله، وانصرف حنقا وخرج من أورشليم ونزل ببيت حورون (بيت أور) فأتى يهوذا والتحم القتال بين الجيشين، فانكسر جيش نيكانور، وكان هو أول القتلى وتشتت جيشه وألقوا سلاحهم هاربين، ونفخ رجال يهوذا بالأبواق فالتقاهم الناس من كل فج، فأبادوهم عن آخرهم وقطعوا رأس نيكانور ويمينه التي مدها نحو الهيكل مهددا بأنه سيخربه ... وكان ذلك في 13 آذار سنة 161ق.م (مكا 1 ف7 ومكا 2 ف14 و15 ويوسيفوس تاريخ اليهود ك12 ف16)، فاعتاد اليهود أن يعيدوا لهذا الانتصار في اليوم المذكور، ولما كان يهوذا يعلم ما للرومانيين من العظمة والصولة، وما يتأتى من قتل نيكاتور قائد ديمتريوس، وقرض جنوده أرسل رجلين من أعيان شعبه إلى رومة يطلب عقد الموالاة مع الرومانيين، فرحب رجال الشورى بموفديه وكتبوا كتابا على صفيحة من نحاس مثبتا الموالاة والمناصرة بين الرومانيين واليهود ... وترى نسخة هذا الكتاب مثبتة في الفصل الثامن من سفر المكابيين الأول.
أما ديمتريوس فوغر صدره على يهوذا، وأرسل بكيديس والكيمس بجيش كبير وأتوا إلى بئروت (البيرى)، ولم يكن مع يهوذا إلا ثلاثة آلاف رجل أبق بعضهم خوفا، ولم يبق معه إلا ثمانمائة رجل صرفوا جهدهم ليصرفوه عن الحرب، فقال: «حاشاي أن أهرب فلنموتن عن إخوتنا.» واصطلت نار الحرب وكان بكيديس في الميمنة فقصده يهوذا ومعه كل ذي قلب جلمودي، فكسر يهوذا الميمنة وأوغل في لحاقها، فانقلبت ميسرة العدو على آثار يهوذا، واشتد القتال فسقط كثيرون من الفريقين ... وفي جملتهم يهوذا البطل الصنديد، فحمله يوناتان وسمعان أخواه ودفناه في قبر آبائه بمودين، فبكاه شعب إسرائيل بكاء مرا، واختاروا يوناتان أخاه قائدا مكانه (مكا 1 ف9).
Shafi da ba'a sani ba