الزجاج:
سبق المصريون الفونيقيين باختراع نوع من الزجاج، وكانوا يصنعون منه آنية صغيرة وحليا كالعقود التي يحب السودان التحلي بها، لكن زجاجهم لم يكن شفافا وإنما الفونيقيون هم الذين اخترعوا الزجاج الشفاف، وفي متاحف أوروبا كثير من صنعهم لا ينحط اعتبارا عن مصنوعات البندقية في القرون الوسطى، ويقال: إنهم اهتدوا إلى اختراعه في أنهم أضرموا نارا على قطع من النطرون (ملح البارود)، فرأوا الملح يذوب وينصب على الرمل، فيتكون منه سائل براق أهداهم إلى اصطناع الزجاج، وكان مركز معامل الزجاج عند الفونيقيين صيدا وصرفند.
الآنية الخزفية والمعدنية:
اشتهر الفونيقيون بعمل المتاع والآنية الخزفية، وكانت مع سلع تجارتهم التي يحملونها إلى الآفاق من جرار وقدور وكئوس وصحف يستبدلونها بحاصلات البلاد الملائمة لتجارتهم ، فكانوا مثلا يعطون جزر بريطانيا هذه الآنية قياضا بالقصدير، وذهب كثير من العلماء أن اليونان أخذوا هذه الصناعة عن الفونيقيين مستدلين بالمشابهة بين مصنوعات القبيلتين، ووجد في بعض جزر الأرخبيل آنية من صنع الفونيقيين أنفسهم، وحسن اليونان مصنوعاتهم الخزفية بتمادي الزمان، وكذلك اشتهر الفونيقيون بمصنوعاتهم المعدنية، لكنهم لم يكونوا يعملون بالحديد ولا بالفولاذ، بل بالصفر أي: النحاس الأصفر، وحسبنا شاهد لذلك ما صنعه الصوريون من الآنية وأثاث الزينة في هيكل سليمان (3 فصل 7 عدد 13 وما يليه)، وجاء في الآثار المصرية ذكر آنية الصفر من صنع الفونيقيين، وذكر أوميروس مرات الكئوس التي يصنعها صاغة الفونيقيين من معادن ثمينة، وذكر حزقيال مهارة الصوريين في صنع العاج يزخرفون به المساكن والمتاع بأشكال بديعة، وقد اشتهر الفونيقيون بهندسة الأبنية وتحصين الحصون، ومزية أبنيتهم ضخامة حجارها، وحسن تنجيدها وهم أول من عني بتبليط الأزقة والشوارع.
الكتابة بالحروف:
أجمع العلماء على أن حروف الكتابة في كل اللغات أصلها الحروف التي وضعها الفونيقيون للكتابة ... فالحروف الفونيقية أم وحروف سائر اللغات أولادها، فقد كان من الفونيقيين جم غفير في مصر، فأخذوا العلامات الصوتية من اصطلاح المصريين في الكتابة الهيروكليفية معتاضين بخطوط عن الصور، فوضعوا اثنين وعشرين خطا لحروف لغتهم التي حصروها في اثنين وعشرين صوتا، وصاروا يكتبون بها ألفاظ لغتهم، وقد صرح شمبوليون الذي كشف عن كنوز الخطوط الهيروكليفية أن الخطوط الفونيقية اشتقت من هذه الخطوط، ووضع العالم دي روجه جدولا ووضع الحروف الفونيقية بإزاء العلامات الهيروكليفية المأخوذة عنها، فظهرت المشابهة بين علامات الاصطلاحين، وأوصل الفونيقيون حروف كتابتهم مع سلع تجارتهم إلى الآفاق، واليونان أنفسهم يعزون دخول حروف كتابتهم إلى قدموس الفونيقي، والحروف الإيبارية مصدرها تجارة صور مع إسبانيا، ومثل ذلك قل في الحروف اللاتينية وغيرها.
أما الحروف العربية التي نستعملها الآن، فالمشهور أن عبد الحميد الكاتب البغدادي هو الذي أكسبها الهيئة التي تراها لها الآن، والحروف السريانية التي نستعملها الآن أخذت عن الحروف الإسترانكلية، وهي أشبه بالفونيقية وكان ذلك في القرن الثاني عشر للميلاد.
وهذا جدول يتبين منه المشابهة بين الحروف الفونيقية، وبين الحروف اللاتينية واليونانية والعبرانية: (14) في لغة الفونيقيين وعلومهم ومعبوداتهم
أما لغتهم:
فهي سامية وأخت اللغة العبرانية، التي تكلم بها العبرانيون والعربية والآرامية والآشورية، فكل هذه اللغات فروع للغة واحدة سامية، وإن كان السواد الأعظم من الفونيقيين هو من نسل كنعان بن حام.
Shafi da ba'a sani ba