تَعَسَّفْتُهُ بالقومِ، لم يهدِني لهُ ... دليلٌ، ولم يُثْبتْ ليَ النعْتَ خابِرُ
أنه يعني به فم المرأة وريقها واسنانها.
أبو تمام أيضًا يقول:
ونظامُ ثَغرٍ ما تَهلَّلَ وَشيُهُ ... إلاّ بكى خَجَلًا نظامُ الجوهرِ
يُهدي إليه نسيمَه فكأنّهُ ... شِيَبتْ جوانبُهُ بِمسكٍ أذْفَرِ
ذو الرمة:
أرَيْنَ الذي اسْتَوْدَعْنَ سَوداءَ قلبهِ ... هوىً مثلَ شكٍّ بالرماحِ النَّواجمِ
عيونَ المها والمسكَ يَندى عَصيمُهُ ... على كلِّ خدٍ مُشرقٍ غيرِ واجمِ
ودرًّا تُجَلِّي عن عِذابٍ كأنها ... إذا نَغمةٌ جاوَبْنَها بالجماجِمِ
ذُرى أقحوانِ الرملِ هزَّتْ فروعَه ... صبًا طَلَّةٌ بين الحُقوفِ اليَتائمِ
طرفة:
وتَبسِمُ عن ألمى كأن مُنَوِّرًا ... تخلَّلَ حُرَّ الرملِ دِعصٌ له نَدي
سَقتهُ إياةُ الشمسِ إلالِثاتِهِ ... أُسِفَّ ولم تَكْدُمْ عليه بإِثمِدِ
وكانت العرب إذا سقطت لأحدهم سن أخذها ورمى بها في عين الشمس وقال: أبدليني خيرًا منها؛ وقد بين ذلك قوله:
بَدَّلتْه الشمسُ من مَنبِتِهِ ... برَدًا أبيضَ مَصقولَ الأُشُرْ
وهذا من أوابدهم، كالطارف والمطروف، وقلي السنام والكبد، وتصفيق اليدين وقلب الثياب، واتخاذ الزورين في الحرب، ورقية الفروك بأفول القمر، ورمي الحصاة وقذف النواة، وتسمية أم الفصيل، وهؤلاء من رموز العرب كأوهام الهند.
الباب الحادي عشر
طيب الريق والنكهة
ابن ميادة:
كأنّ على أنيابها المسكَ شابَهُ ... بُعْيدَ الكَرَى مِن آخر الليلِ غابقُ
وما ذُقتُه إلاَ بعيْني تفرُّسًا ... كما شِيم في أعلى السحابةِ بارِقُ
يضمُّ إليَّ الليلُ أذيالَ حُبِّها ... كما ضَمَّ أردانَ القميصِ البنائقُ
ذو الرمة:
كأنّما خالطتْ فاها إذا وَسِنَتْ ... بعد الرُقاد بما ضمَّ الخياشيمُ
مخزونةٌ من خُزامى الحُزْن هِيَّجَها ... من لَفِّ ساريةٍ لوثاءَ تَهمِيمُ
أو نفحةٌ من أعالي حَنْوةٍ مَعجَتْ ... فيها الصَّبا مَوْهِنًا والروضُ مَرهومُ
ابن الرومي:
أهْيفُ الغُصنِ أهْيلُ الدِعصِ لمَّا ... يَقتسِمْ قَدَّهُ وِشاحٌ ومِرْطُ
طَيِّبٌ طعمُهُ إذا ذُقتَ فاهَ ... والثُريّا في جانِبِ الغَربِ قُرطُ
الهذلي:
وما صهباءُ صافيةٌ شَمولُ ... كعينِ الديكِ مُنْجابٌ قَذَاها
تُشَجُّ بماء ساريةٍ غَريضٍ ... على صَمّانَةٍ رَصفٍ صَفاها
بأطيبَ نَكهَةً من طعمِ فيها ... إذا ما طارَ عن سِنَةٍ كَراها
وضاح اليمن في صفة الريق نفسه:
يا روضَةَ الوَضَّاحِ قَد ... عنَّيْتِ وضَّاح اليمنْ
اسْقي خليلَكِ من شَرا ... بٍ لونُه لونُ اللَّبنْ
الطعمُ طعمُ سَفَرْجَلٍ ... والريحُ ريحُ سُلافِ دَنْ
ابن هرمة:
خوْدٌ تُعاطيكَ بعد رَقْدَتها ... إذا يُلاقي العُيونَ مَهْدَؤُها
كأسًا بِفيها صَهْبا مُعتَّقَةً ... يَغلو بأيدي التِّجارِ مَسْبَؤُها
جرير:
خَليليَّ: هلْ في نظرةٍ إن نظرتُها ... أُداوي بها قلبًا عَليَّ فُجورُ
إلى رُجُحِ الأكفالِ غيدٍ من الصِّبا ... عِذابِ الثَّنايا رِيقُهُنَّ طَهورُ
ذو الرمة:
أسيلةُ مَجْرى الدَمْعِ هَيفاءُ طَفْلَةٌ ... عَروُبٌ كإيماضِ الغَمامِ ابْتِسامُها
كأنَّ على فِيها، وما ذُقتُ طعمَهُ، ... مُجاجةَ خمرٍ طابَ فيها مُدامُها
عمر بن أبي ربيعة:
كأن المدامَ وصَوْبَ الغمامِ ... وريحَ الخُزامى وذَوْبَ العَسلْ
يُعلُّ به بَرْدُ أنيابِها ... إذا ما صَغا الكوكبُ المُعْتَدِلْ
هذا وفاق بينه وبين امرئ القيس:
كأنّ المدامَ وصوبَ الغمام ... وريحَ الخُزامى ونَشْرَ القُطُرْ
يُعَلَّ به بردُ أنيابها ... إذا طَرَّبَ الطائرُ المُسْتَحِرْ
النابغة الذبياني:
كأنّ مُشَعْشعًا من خمر بُصرى ... نَمتْه البُخْتُ مشدودَ الخِتامِ
إذا فُضَّتْ خواتِمُها عَلاها ... يبيسُ القُمَّحَانِ من المُدام
على أنيابها بِغريضِ مُزنٍ ... تَقَبَّله الجُناةُ من الغَمامِ
1 / 18