Tattaunawar Alfred North Whitehead
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
Nau'ikan
وأنجب ذلك الزواج ثلاثة أبناء، اشتركوا جميعا في الحرب العالمية الأولى؛ أما الابن الأكبر فقد اشترك في الحرب من أولها إلى آخرها، وأما الابنة وهي الوسطى فقد خدمت في وزارة الخارجية، وأما الابن الثالث فقد كان طيارا وأصيبت طائرته في سماء فرنسا فقتل في مارس 1918م. وأنا أذكر هذه الحقيقة الأخيرة لأن حزن الوالد على ولده قد أدى إلى تغيير وجهة نظره الفلسفية بعض الشيء؛ مما يدل على أن فلسفة الرجل وليدة ظروفه، مهما بلغ من تدريب على التفكير الرياضي العلمي الموضوعي الذي يتجرد عن النفس ونوازعها.
وكان أول مؤلفات هوايتهد العلمية كتابه «رسالة في الجبر العام»، فاختير بسبب هذا الكتاب عضوا في الجمعية الملكية سنة 1903م، وأما عمله الفلسفي فلم يبدأ إلا بعد ذلك بزمن طويل؛ وعلى أساسه اختير عضوا سنة 1931م زميلا في الأكاديمية البريطانية.
وحدث في سنة 1903م أيضا أن نشر برتراند رسل كتابه «أصول الرياضة» على أن يكون الجزء الأول يتلوه جزء ثان، كما كان كتاب هوايتهد في الجبر جزءا أول يتلوه جزء ثان؛ فاستكشف الرجلان، هوايتهد ورسل، أن الجزء الثاني المعتزم صدوره عن كل منهما يتناول موضوعات هي هي بعينها، فاتفقا على أداء عمل مشترك، وحسبا أن عاما واحدا يكفيهما لإخراج ما تصديا لإخراجه، لكن أفق الموضوع أخذ يتسع أمام ناظريهما، فاستغرقا ثماني سنوات أو تسعا يعملان معا، حتى أخرجا كتابهما «أسس الرياضة» (برنكبيا ماثماتكا). وكان رسل قد التحق بجامعة كمبردج في العشار الأخير من القرن الماضي؛ أي بعد أن دخلها هوايتهد بعشر سنوات أو نحوها، وارتبط الرجلان بروابط الصداقة الوثيقة، وفي هذا يقول هوايتهد: «لقد نعمنا كما نعم العالم كله بألمعية رسل، تلميذا أولا فزميلا ثانيا، ثم صديقا آخر الأمر، فكان عاملا قويا في حياتنا إبان مقامنا في كمبردج، لكن وجهة النظر الأساسية - فلسفية واجتماعية - قد تفرقت بيننا، فتفرقت تبعا لذلك اهتماماتنا، وكان ذلك خاتمة طبيعية للتعاون معا على عمل واحد.»
قلنا إن هوايتهد ترك منصبه في كمبردج عام 1910م، وانتقل إلى لندن، وفي السنة الأولى من مقامه هناك أخرج كتابه «مدخل إلى الرياضة»، ولبث هوايتهد في الكلية الجامعة (بجامعة لندن) حتى سنة 1914م، وعندئذ ظفر بالأستاذية في الكلية الإمبراطورية للعلوم والتكنولوجيا (بجامعة لندن أيضا)، وفي أواخر تلك الفترة عين عميدا لكلية العلوم بالجامعة، ورئيسا للمجلس الأكاديمي الذي كانت مهمته رسم خطة التعليم لمدينة لندن، كما عين عضوا في مجلس الجامعة، وغير ذلك من جمعيات ولجان لا عدد لها، ولقد كان اشتراكه في النشاط التربوي على هذا النطاق الواسع، موجها لاهتمامه نحو مشكلة التعليم العالي في الحضارة الصناعية الحديثة، فقد كان المبدأ المأخوذ به - ولا يزال قائما في بلاد كثيرة - هو أن مهمة الجامعات مقصورة على مجالات التخصص الأكاديمي، وهي تؤدي مهمتها تلك على أنماط مختلفة؛ فمنها النمط الذي رسمته جامعتا أكسفورد وكمبردج، ومنها النمط الذي رسمته جامعات ألمانيا. أما إذا جددت جامعات في التعليم الجامعي، فخلقت نمطا آخر - كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية التي وسعت من نشاط الجامعة حتى جعلته يتناول كل صنوف الإعداد للحياة العملية - فكان ذلك ينظر إليه بعين المزدري، وكان معنى هذا أن الدراسة الجامعية تصب أكثر اهتمامها على الماضي، ولا تدير بصرها إلى مشكلات تربوية خلقتها الحضارة الصناعية المحيطة بها، فلم يدخل في حساب الجامعات أبدا أن هناك ملايين الصناع الذين يتوقون إلى استنارة عقلية في رحاب الجامعات، وملايين الشباب من كل صوب يطلبون حظهم من المعرفة العليا.
فكان أن حاولت جامعة لندن في عهد هوايتهد مواجهة الظروف الناشئة، بأن ضمت في نطاقها معاهد كثيرة تتنوع أنماطها، يؤدي كل نمط منها ما يراد له أن يؤديه فتتحقق الأغراض جميعا.
وأما مؤلفاته التي أصدرها إبان مقامه في لندن (1910-1924م)، فأولها هو الذي أسلفنا ذكره «مدخل إلى الرياضة» (1910م)، وتلاه «تنظيم الفكر» (1916م)، ثم «بحث في أصول المعرفة الطبيعية» (1919م)، و«فكرتنا عن الطبيعة» (1920م)، و«أصول النسبية مع تطبيقات على علم الفيزياء» (1922م).
وفي 1924م - وكان عمره ثلاثة وستين عاما - تلقى دعوة من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة ليكون أستاذا للفلسفة بها، وهناك أخرج أهم كتبه الفلسفية على الإطلاق؛ فأخرج «العلم والعالم الحديث» (1925م)، و«الدين في طور التكوين» (1926م)، و«المنهج الرمزي: معناه وأثره» (1927م)، و«أهداف التربية» (1928م) - وقد ترجم إلى العربية هذا الكتاب الأستاذان قدري لطفي ومحمد بدران - و«التطور وعالم الواقع» (1929م)، و«مهمة العقل» (1929م)، و«مغامرات أفكار» (1933م) - وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية الأستاذ أنيس زكي حسن - و«الطبيعة والحياة» (1934م)، و«صنوف الفكر» (1938م)، و«مقالات في العلم والفلسفة» (1947م).
ومات ألفرد نورث هوايتهد في الثلاثين من ديسمبر سنة 1947م، بالغا من عمره سبعة وثمانين عاما.
وكتبت زوجته في وصف موته تقول:
في يوم عيد الميلاد اجتمعت الأسرة كمألوف عادتها، وفي اليوم التالي لم يكن «ألفرد» مكتمل العافية، وفي ذلك اليوم نزلت به النازلة، ورأيتها وهي تنزل به، فقد رفع يده اليسرى وتركها لتسقط؛ كي ينبئني أنه يدري ما حدث، فقد سار الشلل عندئذ نصف طريقه، وأدركت أن النهاية لم تكن بعيدة الوقوع.
Shafi da ba'a sani ba