Muhawarat Aflatun
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
Nau'ikan
ويقول سقراط: إن التأمل في طبائع الأشياء تأملا مباشرا قد يضر ويؤذي كما يؤذي العين أن تنظر إلى الشمس أثناء كسوفها، فإذا أردت أن ترى الشمس في هذه الحالة وجب أن تأخذ لنفسك الحيطة اتقاء للأذى، فتكتفي بالنظر إلى صورة الشمس المنعكسة على سطح الماء أو على سطح المرآة، وكذلك إذا أردت أن تنظر في طبائع الأشياء فلا ينبغي أن تتجه بروحك إلى الأشياء نفسها، وإلا أصيبت روحك بالأذى، وحسبك أن تتأمل في المثل لترى الوجود خلالها.
ويعتقد سقراط أنك إذا سلمت بوجود المثل هانت عليك البرهنة على خلود الروح، ثم يطلب إلى مناقشيه أن يسلموا معه بشيء آخر، وذلك أن الجمال سبب الجميل، والعظمة سبب العظيم، والصغر سبب الصغير، وهكذا قل عن سائر الأشياء. ثم يمضي يشرح لتلاميذه كيف تتعاون المثل المتناقضة على الوجود ولكنها لا توجد معا في شيء واحد بعينه؛ فقد يقال مثلا: إن سمياس له كبر وصغر في آن واحد؛ لأنه أكبر من سقراط وأصغر من فيدون، ولكن سمياس ليس في حقيقة الأمر كبيرا وصغيرا في وقت واحد، إنما يكون كذلك إذا قورن بفيدون وسقراط؛ لأن الأضداد يطرد أحدها الآخر، فإن كان الشخص صغيرا لزم ألا يكون كبيرا؛ إذ الصغر الكائن فيه يطرد عنه الكبر.
وهنا يلاحظ أحد الحضور أن هذا القول يناقض ما سلموا به من قبل، وهو: أن الأضداد تولد أضدادها، فيجيب سقراط بأن ذلك يصدق على الأضداد الحسية فقط، ولا ينصب على الأضداد المثالية؛ أعني أنه صادق بالنسبة للأحياء والأموات ، ولكنه لا يصح في الحياة والموت ... ويستطرد سقراط في الكلام عن مطاردة الأضداد بعضها لبعض فيقول: إن تلك المطاردة لا تقع في الأضداد نفسها فقط بل في الأشياء المتصلة بها أيضا على أن يكون اتصالها بها قويا ودائما، مثال ذلك أن البرودة والحرارة ضدان، وكذلك النار التي لا تنفصل عن الحرارة ضد للبرودة، ولا يمكن أن توجد معها جنبا إلى جنب، والثلج الذي لا ينفصل عن البرودة ضد للحرارة، ويستحيل أن يوجد معها، كذلك العدد ثلاثة يطرد العدد أربعة؛ لأن الأول عدد فردي والثاني عدد زوجي، والفردي ضد الزوجي؛ وبذلك نستطيع أن نخطو خطوة إلى الأمام، فنقول إن الفردي لا يتضمن الزوجي، وليس هذا فحسب، ولكن العدد ثلاثة الذي يساهم في الفردية لا يتضمن الزوجي. وعلى هذا القياس يمكنك أن تقول إن الحياة لا تتضمن الموت، ولا يقتصر الأمر على هذا، بل إن الروح الذي من صفاته اللازمة الحياة يستحيل أن يتضمن الموت، وإن ما تكون الحياة صفته اللازمة لا يكون قابلا للفناء بحكم مدلول اللفظ نفسه، إنه إذا كان مبدأ الفردية غير قابل للزوال؛ فالعدد ثلاثة إذن لن يفنى، ولكنه يتوارى فقط إذا اقترب منه مبدأ الزوجية، وكذلك الخالد لا يقبل الفناء، والروح عند اقتراب الموت لا تفنى، ولكنها تتوارى فحسب.
هكذا أجاب سقراط عن اعتراضات محاوريه، ثم انتقل إلى التطبيق فقال: إذا كانت الروح خالدة، فكيف ينبغي لنا أن نكون، إذا لم يكن الإنسان محدودا بعمره، وكان أبديا خالدا، فلن يتخلص الشرير من شره بالموت؛ لأن الموت ليس نهاية وجوده؛ فكل إنسان يحمل معه إلى العالم الأدنى ماهيته؛ وذلك لأن الروح تتقدم بعد الموت إلى المحاكمة، فإن كانت روحا حكيمة اهتدت في طريقها إلى العالم الآخر، بملك أمين، فلا تضل طريقها، أما الروح الدنسة فتتخبط هنا وهنالك دون أن تجد لها رفيقا يؤنسها أو دليلا يهديها.
وينتقل سقراط بعدئذ إلى وصف الأرض، ووصف العالم الأدنى، وكيف يلاقي الأشرار عذابهم، والأبرار جزاءهم وثوابهم. ويستدرك سقراط بعد وصف مطنب، فيؤكد أن هذا الوصف الذي قدمه لا يتحتم أن يكون دقيقا مضبوطا، بل إنه يصور به شيئا كالحقيقة لا أكثر.
وأزفت ساعة الموت فسأله سائل كيف يريد أن يدفن بعد موته؛ فأبى أن يجيب عن ذلك قائلا إنهم لن يدفنوه هو بل سيدفنون جسده الميت وحده، ثم يجرع بعد ذلك كأس السم، وإذ هو يلفظ أنفاسه الأخيرة تقدم إلى أصدقائه بطلب أخير لم تستطع الأجيال المقبلة أن تفسره؛ فقد قال في شيء من التهكم إن عليه واجبا دينيا صغيرا لم يؤده بعد، ورجا أصدقاءه أن يؤدوه نيابة عنه، ولعله كان يريد أنه بموته إنما يستقبل السعادة والعافية، فعليه أن يقدم للآلهة آية شكره وولائه، أو لعله أراد ألا يرحل وفي ضميره لذعة من التقصير الديني.
فيدون أو خلود الروح
أشخاص الحوار:
فيدون (وهو راوي الحوار إلى أشكراتس من أهالي فليوس)، سقراط، أبولودورس، سمياس، سيبيس، أقريطون، حارس السجن.
مكان الحوار:
Shafi da ba'a sani ba