بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله السريع حسابه، الأليم عقابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تؤمن صاحبها من عظائم الجرائم وجرائم العظائم، ولا يخاف في الله لومة لائم (١).

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي جعله الله على كافة أمته شهيدا <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/3/3" target="_blank" title="آل عمران 3">﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا﴾</a> (2).

وبعد: فإنه قد أجمعت (3) الأنبياء والمرسلون، والأئمة الراشدون، أنه تعالى لجميع العباد بالمرصاد (4)، وأنهم سيناقشون يوم المعاد، وبطالبون بمثاقيل

Shafi 35

الذر، من الخير والشر <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/99/99" target="_blank" title="الزلزلة 99">﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾</a> (١) ولا ينجي من هذه الأخطار الجليلة، إلا محاسبة (٢) النفس كل يوم وليلة.

فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة (٣) حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وعظم يوم القيامة ثوابه (٤)، وحسن منقلبه وما به (٥).

ومن لم يحاسب نفسه، وأضاع يومه وأمسه، وتلفع (٦) بملاءة الهوى، وتعرى من لباس التقوى، وجب أن يطول في عرصات القيامة مقامه، وتدوم في مواقف يوم الطامة آلامه.

فحق على كل ذي علم، وحتم على كل ذي حزم:

محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة فإن النفس بالطبع متمردة عن الطاعات، مستعصية عن العبادات، فكن لها من الواعظين <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/51/55" target="_blank" title="الذاريات 55">﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾</a> (7).

ففي الخبر: لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه، فيعلم طعامه وشرابه ولبسه.

وعنه عليه السلام: قيدوا أنفسكم بمحاسبتها، واملكوها بمخالفتها، تأمنوا من الله الرهب، وتدركوا عنده الرغب، فإن الحازم من قيد نفسه

Shafi 36

بالمحاسبة، وملكها بالمغالبة، وأسعد الناس من انتدب (1) لمحاسبة نفسه، وطالبها بحقوقه (2) في يومه وأمسه.

وعنه عليه السلام: الكيس من دان نفسه، أي: حاسبها، وعمل لما بعد الموت وطالبها.

فحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وطالبها قبل أن تطالب، وقل لها (3):

يا نفس:

احزمي (4) أمرك، فما لك بضاعة إلا عمرك، فلا تفنيه في مآربك (5)، ولذاتك ومطالبك ، لأنه إذا فني رأس المال حصلت الخسارة، ووقع اليأس عن التجارة.

شعر:

إذ كنت أعلم علما يقينا * بأن جميع حياتي كساعة فلم لا أكون ضنينا (6) بها * واجعلها في صلاح وطاعة

Shafi 37

يا نفس:

وهذا يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاعملي فيه لله بطاعته، وإياك إياك من إضاعته، فإن كل نفس من الأنفاس، وحاسة من الحواس، جوهرة عظيمة، ليس لها من قيمة.

شعر:

أولى الذخائر في الحماية * والرعاية والحراسة عمر الفتى فهو النهاية * في الجلالة والنفاسة وحذار من تضييعه * إن كنت من أهل الكياسة يا نفس:

إن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، فاشتغلي فيها بالطاعة، فقد ورد في الخبر، عن سيد البشر:

أنه ينشر (1) للعبد كل يوم أربع وعشرون خزانة، بعضها فارغة وبعضها ملآنة:

فإذا فتحت له خزانة الحسنات، والمراضي والمثوبات، ناله من الفرح والسرور، والبهجة والحبور، بمشاهدة تلك الأنوار، التي هي وسيلة عند الملك الجبار، ما لو وزع على أهل النار، لأدهشهم ذلك الفرح عن ألم السعار (2).

Shafi 38

وإن فتحت له خزانة العصيان، والغيبة والبهتان، غشاه من نتنها وظلامها، وأصابه من شرها وآلامها، ما لو قسم على أهل النعيم، لنغص (1) عليهم التنعيم.

وإن فتحت الفارغة من الأعمال، الموصوفة بالتكاسل والاهمال، لحقه (2) الحزن العظيم، على خلوها من الثواب الدائم المقيم.

يا نفس:

فاملئي تلك الساعات من الحسنات، واشحنيها بما شق من العبادات والقربات، ولا تميلي إلى الكسل والاستراحة، فما ملأ الراحة من استوطأ الراحة (3).

وهب كنت مسيئة قد عفي عن جريرتك، وستر (4) على سريرتك، أليس قد فاتك ثواب المحسنين، ودرجات الأبرار في عليين؟!

يا نفس:

إن كنت في معصية الله ممن يعلم اطلاعه، فلقد اجترأت على أمر عظيم الشناعة، لجعلك إياه أهون الناظرين، وأخف المطلعين، وإن كنت تظنين أنه

Shafi 39