Muhammadu Ali Jinnah
القائد الأعظم محمد علي جناح
Nau'ikan
ويؤخذ من المعلومات المكشوفة، ومن التواريخ المعروفة؛ أن مسالك التجارة والسياحة بين الهند والعالم الغربي قد اطردت في سبلها المطروقة التي عهدها الناس إلى أواخر القرون الوسطى، وهي سبل البحر إلى العراق واليمن، ثم سبل البر منها إلى مصر والشام.
وقد كانت الدول الكبرى في العصر القديم تتسابق إلى السيادة على تلك السبل، فبسطت فارس سلطانها على اليمن لتجمع بين يديها سائر السبل من شبه الجزيرة العربية، وأراد الرومان أن ينتزعوا هذه السبل جميعا فجردوا حملاتهم على العراق واليمن، وقنعوا آخر الأمر بالسيادة على منتصف الطريق، فتكفلوا بحماية الأمراء الغساسنة في صحراء الشام، ورشحوا للملك في مكة قبل الإسلام زعيما من قريش يدينون له بالطاعة في ظل قيصر، ولم يكن في طاقة قيصر أن يفرض الملك عليهم بالقوة فهددهم بإغلاق أبواب الشام في وجوههم، وأمر الغساسنة بالترصد لهم على تلك الأبواب، وحال ضعف الدولة الرومانية في ذلك العصر دون مرماها في جوف الصحراء.
وهكذا استقلت مكة بطريق التجارة من الهند، إلى اليمن، إلى مصر والشام.
وهكذا نسج التاريخ إحدى موافقاته التي تمتد من مئات السنين قبل الدعوة المسيحية إلى مئات السنين بعد الدعوة المحمدية، وجاز لمن شاء أن يقول: إن الباكستان أقامت مكة قبل الإسلام، وإن مكة - بعد الإسلام - قد أقامت الباكستان.
أراد الفراعنة من قديم الزمن، ثم أراد القياصرة بعدهم، أن يجعلوا البحر طريقا لتجارة الهند فغلبتهم سفينة الصحراء وانتظمت رحلة الشتاء ورحلة الصيف على أمواج الرمال، كما كانت قبل ملك القياصرة والفراعنة، واستقرت لهما مرحلة وسطى في منتصف الحجاز، فذاك حيث قامت مكة في الجاهلية الأولى، تتلقى قوافل الشتاء من الجنوب، ثم تلقي بها مع قوافل الصيف إلى الشمال.
الباكستان الجديدة
وبعد سبع وأربعين وتسعمائة وألف سنة من الميلاد المسيحي، ولدت الباكستان الجديدة باسمها، والجديدة بأسباب وجودها، إلا سببا واحدا غير جديد عليها، وهو الدين الذي ظهرت رسالته في مكة منذ أربعة عشر قرنا، ولولاه لكان للشرق كله تاريخ غير تاريخه المعلوم.
معجزة من معجزات الإيمان التي لا تنقضي مع الزمن: معجزة تتحدى التجارة، وتتحدى المنفعة، وتتحدى سلطان الدول، وتتحدى المعقول والظنون، وتتغير السبل ويتغير السالكون فيها، ويبقى الإيمان فيصنعها معجزة خارقة لم يصدق بها أحد قبل وجودها، ثم توجد فيصدق بها من يرى ويسمع، وتصبح بعد ذلك سندا للعقول التي عرفت بها الممكن والمستحيل، وقد كانت تخلط خلطها الذريع بين الممكن والمستحيل.
أمكن ما لم يكن في الإمكان.
شجرة تحمل تسعين مليونا من الفروع الآدمية، تنقطع جذورها جميعا، وتنغرس جذورها، ولا تذبل ولا تفنى، بل يسرع إليها النماء والإيراق، ومن حيث قدر لها الذبول والفناء.
Shafi da ba'a sani ba