Muhalhil Sayyid Rabica
المهلهل سيد ربيعة
Nau'ikan
فمضت المرأة تقول ولا تزال تنشج بين كلماتها: «لم يكف هذا الزمان ما أصابني بقتل زوجي وفجيعتي بإخوتي وأبناء إخوتي وأعمامي، فأبى إلا أن يجعلني دائما بين القاتل والمقتول، ويقف بي أبدا بين السنان الطاعن والقلب المطعون؛ قتل زوجي وكان قاتله أخي، ثم قتل إخوتي وقومي في ثأر صاحبي، فكان الانتقام له يبتر أعضائي ويقطع أوصالي، ثم حكم علي أن يكبر ولدي الهجرس بين ظهراني قوم أبي، وهو يحمل في دمائه عداوتهم، ويضم بين جنبيه قلبا يطالبه بالثأر منهم، حتى انتهى أمره إلى ما انتهى إليه من فجيعتي بآخر إخوتي الذي أكرمه ورباه، وزوجه بابنته وواساه بنفسه. ثم سار إلى قومه ليشاركهم في حربهم على قومي، فقلبي عليه يتحرق ومنه يتمزق. إن أصاب أصابني وإن أصيب أثكلني، واحر قلباه! وأين الموت مني يا أبتاه؟»
وكان لقول جليلة عند الشيخ أثر أبلغ من أثر التعزية، فجف دمعه وسكن نشيجه، وهدأت أنفاسه منذ وجد مصاب ابنته أفدح من مصابه، ورآها أجدر منه بالمواساة وأحق بالرحمة.
ورفع بصره الكليل إليها ينظر في وجهها، فاعترضته سحابة من الظلمة تغشاه، ولكنه استطاع مع ذلك أن يدرك ما أصاب ابنته الجميلة من تغير وتبدل، لقد ألهته الهموم كل تلك السنوات عن أن يملأ عينيه منها، ولم يلحظ فعل السنين فيها، فلما رآها عند ذلك رأى امرأة نحيلة شاحبة؛ وجه علته الغضون وبشرة تكمشت، وعود ضئيل ونظر كليل، وجسم متهدم، ونفس يفيض منها الحزن واليأس، فنسي حزنه في لحظة وجعل يحاول التخفيف عنها، وغاض دمعه وأخذ يعمل على تخفيف دمعها. قال: «لقد مضى دهر على قتل كليب ومضى بعده من الأعزاء من سلكوا سبيل الماضين قبلهم. وهل في الحياة بقاء يا ابنتي؟ ولئن كان مصاب جساس حديثا يصيب القلب لقرب عهده، فإن حزني عليه أذهلني عما كان يليق بي، ولم يكن الهجرس في قتله يا ابنتي إلا أحد العرب يثأر لأبيه، ولعل هذا المصاب يكون آخر الدماء، ولعل ذلك الضبعان القاسي مهلهل بن ربيعة يجد في قتل جساس ما يروي ظمأه ويكفيه من ثأره .»
فوقعت كلمات الشيخ في قلب جليلة موقع الدهن على قرحة الحريق.
فمسحت دموعها وخفت شدة نشيجها، وقالت وهي أقل يأسا: «وبماذا أجاب المهلهل على رسالتك يا أبي؟»
فقال الشيخ بعد صمت قصير: «لعل الرسل يعودون اليوم. لقد كان موعدهم أمس ولكنهم لم يعودوا.»
وهمت جليلة أن تستمر في حديثها، ولكن أبا مالك أقبل عند ذلك مسرعا نحو الشيخ، فعلمت أنه يريد التحدث إليه، فقامت ذاهبة نحو الخيام، وقد أسدلت خمارها على وجهها ولا تزال عيناها تبصان.
ووقف الرجل عند الشيخ لحظة، ثم قال بعد تردد قصير: «لقد عاد رسلنا إلى الحارث بن عباد.»
فرفع الشيخ رأسه بحركة سريعة، وقال بلهفة: «ما خبرهم؟»
فقال الرجل بصوت أجش مخيف: «كان رد المهلهل قتل بجير.»
Shafi da ba'a sani ba