Muhalafa Thulathiyya
المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية
Nau'ikan
قد ظهر للمجلس وتحقق للمستنطقين: أولا أن للثعلب اعتقادات خصوصية شريرة تخالف تعاليم جمعيتنا المقدسة، وتناقض شريعة الله التي أقامنا عليها أمناء وأوصانا بها، وهذا ما ندعوه كفرا وإلحادا. وقد تبين ثانيا أن المتهم لم يبرهن عن اعتقاداته الفاسدة إلا بأسلوب التهكم والازدراء والاستخفاف؛ إذ كان يتكلم عن القضايا المقدسة بالهزء والسخرية، وهذا ما نسميه تجديفا. وثالثا أنه لم يجاوب على سؤالات القضاة إلا بعد أن سيم العذاب الاعتيادي والغير اعتيادي، وهذا ما نعتبره تمردا وتكبرا. ورابعا أنكر على القضاة السلطة، واحتقرهم وأهانهم بإلقائه عليهم سؤالات ليس من شأنه إلقاؤها، وهذا ما نعده وقاحة وفضولا، ولذلك قد التأم المجلس في جلسة سرية، وتفاوض الأعضاء في أمر المتهم، وأبرموا الحكم الآتي: «بقوة السلطة الروحية المعطاة لنا نحن أعضاء مجلس التفتيش نحكم على الثعلب أولا بالفضول والوقاحة. وثانيا بالتمرد والعصيان. وثالثا بالتجديف. ورابعا بالكفر والهرطقة والإلحاد، وعقابه على كل واحد من هذه الجرائم هو كما يلي: قصاص الذنب الأول هو أن نغصب من الملحد كل أملاكه، وتضاف إلى أملاك الجمعية المقدسة، وعقاب الذنب الثاني أن يبقى تحت الحرم سنة كاملة، والثالث: أن يلقى في السجن خمس سنوات، وأما عقاب الذنب الرابع فهو الإعدام بالنار، وقد حركت أعضاء المجلس عاطفة الشفقة والرحمة، فعزموا على نقض الحكم بالإعدام إذا أنكر المتهم اعتقاداته الخبيثة الشيطانية المضرة، واعترف بشرائعنا، واعتذر أمام المجلس عن كل كلمة وقحة فاه بها أثناء المحاكمة. أما الذنوب الثلاثة الأخرى، فعقاب المتهم عليها ثابت كما ذكرنا تأديبا للكافرين المارقين، والمتمردين المجدفين، ويسأل المجلس الثعلب أمام الجمع عما إذا كان يريد أن يرجع عن غيه، ويكفر عن ذنوبه بإنكاره كل اعتقاداته الخبيثة، ويعترف بتعاليمنا كي يعفى عنه من الموت»، ولما انتهى الكاتب من قراءة الحكم عاد الحصان إلى السؤال قائلا: هل تريد أن تفعل ذلك؟ فأجاب الثعلب بدون تردد: هل تريدون أن أشتري حياتي بضميري، إني لا أرى نسبة بين الثمن والمشترى اطلبوا مني غير هذا.
تذكر أنك رب عائلة فلك زوجة وأولاد يشق - لا شك - عليك فراقهم، ألا تعرف بأنك تجلب إلى عائلتك التعاسة والشقاء إذا أنت لم تنكر اعتقاداتك الخبيثة؟ ألا تعرف بأنك مديون لأولئك الصغار أولادك، فلا تكن لهم مثلا رديئا، وقدوة قبيحة تأمل قليلا أعد نظرك على هذه المسائل الخطيرة لا تكن أحمق متمردا، إذ إن هذه الصفات السافلة لا تكسبك شيئا، وشكاسة أطباعك تفضي بك إلى النار، فنسألك الآن ثانية، هل تريد أن تنكر اعتقاداتك، وتعتذر عن وقاحتك، وتجديفك، وترتد إلى اعتقادك الأصلي الذي نشأت عليه، وورثته عن أجدادك؟
الثعلب :
أنتم أيها القضاة المحترمون الأفاضل أحوج في رأيي إلى الإنكار والاهتداء مني، فأنتم في عيني كما أنا في أعينكم، فإذا طلبتم مني إنكار اعتقادي تجعلون لي حقا بأن أطلب منكم إنكار اعتقادكم، وإذا تركتموني وشأني أترككم وشأنكم، فلم تحكمون علي بالإعدام، وأنا لم أرتكب قط ذنبا، لماذا أعطاني إلهي عقلا، ووهبني قوتي الحكم والتمييز، ألكي أقتلهما وأعيش من أجل بطني فقط؟ أيعطي الله العصفور جناحين، ثم يهلكه إذا طار بهما؟ أيعطيني عقلا ثم يهلكني إذا استخدمته للافتكار والتأمل؟ لا شك في أن اعتقادي هو أرسخ في قلبي من اعتقادكم في قلوبكم، ومتى أنكرت وجود الخالق أنكر إذ ذاك اعتقادي، وأقر لكم بتعاليمكم الخرافية، فأنتم أكرهتموني فاعترفت بما لا أعترف به إلا بعد العذاب الأليم اضطررتموني إلى إنكار وجود الله، وأنا لا أنكر إلا إلهكم، أجبرتموني على إنكار الكتاب بكامله، وأنا لا أستهجن إلا ما جاء فيه من الخرافات والخزعبلات، تقولون إني أنكر العجائب، وأنا لم أنكر ولم أثبت، ولكن لكم الأمر وعلي الطاعة، أما ما تطلبونه الآن فهو أكثر مما أطلبه من نفسي، لا يا أسيادي إن الحياة التي تريدون قتلها بخسة جدا بالنسبة إلى الضمير الذي يحيا سعيدا شريفا طاهرا، إن هذا الجسد لا يسوى ما تطلبونه مني، أنتم تطلبون قتل ضميري ليبقى جسدي حيا، وما نفع الجسد بلا ضمير، فأنا أفضل أن أرى نفسي في النار المستعرة على أن أرى ضميري مكبلا بسلاسل العبودية، خذوا جسدي، واتركوا لي ضميري.
الحمار :
أيها الثعلب المسكين، اسمع صراخ زوجتك، ترأف على أولادك، أشفق على نفسك، إن الحياة عزيزة، والهلاك الأبدي فظيع مرعب، فاحفظ الأولى واتق الثاني، احفظ حياتك بكلمة واحدة، أنكر اعتقاداتك، وعش مع زوجتك وأولادك سعيدا.
الثعلب :
لا تزدني من هذه الإرشادات، فقد عزمت على أن أموت من أجل اعتقادي، كما مات الأسد على الصليب من أجل دعوته، خذوني إلى النار، وألقوني فيها فأستريح من هذه الحياة، وأفرح بالآخرة.
الحصان :
إذن أنت تأبى الإنكار، وترفض الاهتداء، فلا حول ولا قوة، فالمجلس إذن يبعث بك تحت الحفظ إلى أصحاب السلطة المدنية لينفذوا فيك حكمه المبرم. (وتبوأ عندئذ الحصان كرسيه، وأمر الكاتب بأن يأخذ قرطاسا وقلما، ويكتب ما يلي):
Shafi da ba'a sani ba