Mugni al-Muhtaj
مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج
Bincike
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
Mai Buga Littafi
دار الكتب العلمية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
1415 AH
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
Fiqihu Shafi'i
الثَّانِي: زَوَالُ الْعَقْلِ. إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» (١) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَهُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ: حَلْقَةُ الدُّبُرِ، وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ: الْخَيْطُ الَّذِي يَرْبِطُ بِهِ الشَّيْءَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَقِظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ، وَلَا يَشْعُرُ بِهِ، وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْخَبَرُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ فَكَيْفَ عُدِلَ عَنْهُ، وَقِيلَ بِالنَّقْضِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِمَا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى احْتِمَالِ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الْقُبُلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَخَرَجَ بِزَوَالِ التَّمْيِيزِ النُّعَاسُ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَأَوَائِلُ نَشْوَةِ السُّكْرِ فَلَا نَقْضَ بِهَا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا، وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ أَوْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ لَا لَمْ يَنْتَقِضْ، وَلَوْ تَيَقَّنَ الرُّؤْيَا، وَشَكَّ فِي النَّوْمِ انْتَقَضَ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِهِ. وَالْعَقْلُ لُغَةً: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، وَلِذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْلَ لَا يُعْطَى لِكَافِرٍ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ لَآمَنَ. إنَّمَا يُعْطَى الذِّهْنَ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْقَلَ فُلَانًا النَّصْرَانِيَّ، فَقَالَ: مَهْ إنَّ الْكَافِرَ لَا عَقْلَ لَهُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١٠]» الْمُلْكُ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْعَقْلِ النَّافِعِ. وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ صِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ آلَةُ التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ هُوَ غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّهُ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّهُ فِي الدِّمَاغِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ) أَيْ أَلْيَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا بِالْمُنْفَتِحِ النَّاقِضِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهِ، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢)، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد يَنَامُونَ حَتَّى تَخْفُقَ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ، وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.
وَدَخَلَ فِي
1 / 143