Mughamarat Caql Ula
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
Nau'ikan
بعد أن أبعدت السماء عن الأرض، وصدر ضوء القمر الخافت وضوء الشمس الدافئ، قام إنليل مع بقية الآلهة بخلق مظاهر الحياة الأخرى.
والآن إذا جردنا هذه السلسلة الأسطورية من رموزها ومفرداتها الميثولوجية، وترجمناها إلى لغتنا العلمية الحديثة؛ لظهر لنا منطقها المتماسك، والملاحظات العلمية التي قادت إليها: (1)
في البدء لم يكن موجودا سوى المياه التي صدر عنها كل شيء وكل حياة. (2)
في وسط هذه الحياة الأولى ظهرت جزيرة يابسة على هيئة جبل قبته هي السماء، وقاعدته هي الأرض، ومن لقاء القبة بالقاعدة ظهر الهواء، العنصر المادي الثالث بعد المياه والتراب. (3)
من الصفات الأساسية لهذا العنصر الجديد التمدد. وبتمدد هذه المادة الغازية تباعدت السماء عن الأرض. (4)
لم يكن القمر السابح في الهواء إلا نتاجا للهواء وابنا له، وربما كان من نفس العنصر أيضا. أما الشمس فهي الابن الذي فاق أباه القمر قوة، وخلفه على عرش السماء فيما بعد. (5)
بعد أن ابتعدت السماء عن الأرض وغمرت أشعة الشمس الدافئة وجه البسيطة، تهيأت الشروط اللازمة للحياة، فظهرت النباتات والحيوان وتم خلق الإنسان.
تتطابق هذه النظرات في بعض جوانبها مع النظريات العلمية الحديثة؛ فولادة القمر من الهواء لا تبعد كثيرا عن النظريات القائلة بتشكل الأجرام السماوية من السحب الغازية. أما صدور الأشياء عن المياه الأولى فلا يبتعد عن الاكتشافات العلمية الحديثة المتعلقة بنشأة الحياة وتطورها ابتداء من البحر. وأريد هنا أن ألفت النظر إلى نقطة هامة لفهم الفكر الأسطوري وتطوره . فالفكر القديم ابتدأ ماديا حسيا، وبعيدا عن التجريد. وفكرة القوة المبدعة المنفصلة عن الكون الفاعلة فيه عن بعد، لم تكن موجودة في ذهن خالق الأسطورة؛ فعمليات الخلق ليست فعلا صادرا عن الآلهة منفصلا عنها، بمقدار ما كانت تبديا لحركتها وتفاعلها مع بعضها. ففي البدء كانت المياه الأولى، أزلية غير مخلوقة ولا منبجسة عن العدم. وجبل السماء والأرض لم يخلق بفعل قوة خارجية مجردة متعالية، بل جاء نتيجة إخصاب ذاتي للأم الأولى التي ولدته من رحمها، كما تلد أمهات البشر والحيوان، وكما يتكاثر النبات. وكذلك الأمر بالنسبة للقمر والشمس وغيرهما.
والآن لنأت إلى استعراض أهم النصوص التي وصلت إلينا، والتي تلقي الضوء على أفكار السومريين في موضوع البدء والتكوين. (1) فصل السماء عن الأرض
في مطلع أسطورة تحكي عن خلق الإنسان، نعثر على إشارة لجبل السماء والأرض.
Shafi da ba'a sani ba